البحث عن أنبياء كرد

أحمد عمر

السبت 2019/04/27
إبراهيم نبي، هكذا اسمه، جاري في العمارة.

للكرد خصائص في اتخاذ الأسماء، لا تبلغ رتبة الفرس الذين يطلقون على أئمتهم ألقاباً مثل آية الله العظمى، وروح الله. اسم رسول شائع فيهم أكثر من اسم نبي. العرب لا يتخذون من صفة النبي أو الرسول اسما، قد تجد لقبا مثل المتنبئ أطلق على أحمد بن الحسين أبو الطيب، أو عبد النبي، وهو اسم شديد الندرة، والعبودية هنا تحمل معنى الحب والخدمة لا معنى العبادة والعبودية!

هناك قرية كردية اسمها النبي "هوري"، يزعم بعض الكرد أنّ هوري نبي مع أن اسمه لم يرد في كتاب ولا جرى به خطاب، زردشت الذي عاش بعضاً من حياته في كردستان يتنازعه الفرس والكرد في دائرة الطباشير مثل كاوا الحداد، والفرس أولى به، وثائقهم مكتوبة، ووثائق الكرد شفاهية، لعلهم خطفوه.

خليل نبي، عيسى نبي، مجو نبي، أحمد رسول، صلاح رسول.. الكرد طلقاء في اشتقاق الأسماء العربية من المصحف والأثر، شأنهم شأن بقية العجم الذين اعتنقوا الإسلام. الكرد المعاصرون ليسوا كالأفغان المتشددين في دينهم، فالأفغان لهم دولة، وكذلك الإندونيسيون، أما الكرد فليس لهم دولة ولا نبي. تتفاخر الأمم بعظمائها، وحالياً بلاعبي كرة القدم، فلا لعباً لعبنا، ولا ولدنا بني العنقاء وابن محرقٍ، فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما.

 لجاري إبراهيم نبي خوارق صغيرة، وعلامات "نبوة"، فهو متزوج من جزائرية تكبره، ويمكن للرائي أن يجد آثار جمال غابر عصف به استعمار الزمن، مثل آثار زنوبيا في تدمر، ونفرتيتي في مصر، أو أنها كبرت بساعة الكردي الرملية. في "فقهاء الظلام" يهرم بطل الرواية بيكاس بسرعة، الحزن يحرق الزمن والمراحل ويجعل الرمل ناعماً في الساعة. اسمها جميلة، عندما كنت أراها أتذكر المليون شهيد، وهو اسم شائع في الجزائر تيمناً باسم جميلة بوحيرد التي منحها الإعلام مثابة لم يمنح لغيرها مثل الكنداكة السودانية، فغلبت أغنيةٌ جهاد خنساوات كثيرات، الجمال في السينما دائما كان له البطولة، والبصر سيد الحواس. وهبها الإعلام الشرف كله وحجبه عن غيرها، هي موافقة للهوى الشمالي الذي رماها. زواج إبراهيم نبي من جميلة علامةٌ من علامات النبوة، الزواج العابر للقوميات نادر هذه الأيام التي "قام فيها الكردي حقاً قام"، الزواج المدني يحظى بعناية الإعلام في هذه الايام.

شعوب كثيرة تنتظر المهدي، وبعضهم يهيئ له الأسباب "والرشى" بمدِّ السجاد الأحمر. في إرهاصات قدوم المهدي أنه سيظهر "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يملك سبع سنين"، ولهذا يقوم منتظرو المسيح والمهدي بارتكاب مذابح إغراءً لقدومه الميمون، أمر يشبه الاستمناء الديني. إذا جاء المهدي المنتظر فإنه سيبدأ بحرب منتظريه فهم أولى بالحرب والمكيدة. المهدي بقية الأنبياء، الكرد ما يزالون يقلّبون الأبصار ليس في السماء وإنما في غوغل سارجين عن أول نبي بالسراج.

ليس لكل القوميات أنبياء، في هذا الكوكب آلاف القوميات. أنبياء بني إسرائيل يهود من جنسهم، ويحق لهم اعتبار الدين اليهودي قومية، لو كان لكل قوم نبي لأمتلأت الأرض بالأنبياء. جميع الفرنجة يعتنقون الدين المسيحي، ويؤمنون بابن الله، وله صور في الكنائس أشقر، وفي أفريقيا أسمر، لكنه يسوع نفسه، ويسوع فلسطيني من جهة الأم، وقد غضبت طائفة لبنانية أشد الغضب عندما صرحت شخصية سورية أن يسوع فلسطيني، وهو كذلك بالولادة، الطائفة التي غضبت لا تؤمن بقدرة المرأة على منح جنسيتها لابنها مثل الحكومات العربية الحالية. ليت يسوع كان من أم كردية، لقال الكرد عندها مثلما قال عمر أبو ريشة لكينيدي: "ربكم هو جدي". يدّعي الكرد أنهم آريون، لكن سحنتهم تشبه الأرض السمراء ودينهم الإسلام، لا رابطة تربط الكرد بالفرنجة سوى أزعومة في ترجمات الفرنجة الاستشراقية. لا تكفي بعض الكلمات في اللغة قرابة للرحم، ولا شامة في الكتف، ولا خاتم نبوة. إن الفتى من يقول ها أنا ذا/ ليسَ الفَتَى مَنْ يقولُ كان أبي. لكن أين أبُ الكرد؟

زوجة إبراهيم نبي جزائرية وتكبره سناً أو أنها شاخت وهي تحاول صب الماء على رأس زوجها حتى يطرى.

 الأنثى تكبر لأنها شديدة الرقة، مثل الفراشة، والفراشة عمرها ثلاثة أيام، تكون دودة ثم بضربة واحدة تتحول إلى فراشة، ثم تحترق في النار خالطة بينه وبين النور. لإبراهيم نبي خوارق أخرى غير جميلة، فهو يعبر الحواجز السورية بسرعة، ما إن ترى عناصر الحاجز اسمه حتى تخلي له السبيل، ما السبب؟ يجيب: ياو.. أنا نبي. "وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ". ليس الأمر كذلك، فالسلطات الموقّرة تحدّق بآلاف العيون، وتشم رائحة الطوائف من الأسماء والأنفاس، السلطات حذت حذو الاستعمار فأوعزت إلى الحواجز بإكرام الأقليات، أمّا من كان من مناطق ملتهبة مثل داريا والقصير فله الموت تحت التعذيب، الكردي كان خطيراً قبل الثورة، كان أحد الأعداء المحتملين، الكرد الباقون حلفاء حاليا إلى حين.

 ليس إبراهيم نبي وحيداً في الاسم أو الصفة.

لا يفارق نابغة الكرد بالعربية، سليم بركات، هذا الهاجس، اللغة الكردية مثل البيجامة في البيت. عندما يخرج الكردي إلى شارع النصوص والتدوين يحتاج إلى زيِّ أوسع. رواية بركات "فقهاء الظلام" تروي قصة ولادة تشبه ولادة المسيح، الوليد بيكاس كان ينمو في ساعة ما يستغرقه المواليد في سنة، هي طفرة وراثية أو نزوع في خريطة مورِثات الحيوانات المنوية الضالة عن المرعى. وفي رواية "السلالم الرملية" يحكي بركات ست حكايات من المغول في السويد، ينتظرون نبياً في أنفاق القطارات فيرتكبون الحماقات. ليسوا مغولاً هم كرد. سليم يهوى التغريب. وفي رواية "هياج الإوز" نجد وقائع شخصيات فارطة، غارقة في الجنس واللذة كانتقام من تأخر النبي عن العشاء. بعض الاجتهادات جعلت سليم بركات عظيماً رفعته إلى رتبة صلاح الدين الأيوبي. انتقد بركات رفع الكرد صور نبي البعث الكردي، وثناً معبوداً وقد يئسوا من الأنبياء، فبات خائناً لدى اليسار الامبريالي. لقد قنط الكرد من انبعاث نبي، النبوة ليست بالتكسب والاجتهاد، فلنجعل الزعيم الكردي إلهاً دفعة واحدة ياو. لقد سبقنا حتى الفرنجة الذين جعلوا المسيح ابنا لله. الكرد باتوا يحلفون باسم الزعيم!

استعار مني إبراهيم نبي جرة غاز فغنمها، والجرة في سوريا ثمينة، كانت كذلك منذ الحركة التصحيحية التي عاقبت الشعب السوري بعقوبة سيزيف، الظرفاء السوريون جعلوا صورة لإلهة الخصب عشتار وهي تحمل جرة غاز بدلاً من جرة الماء، وقد بلغت الجرة في ظل آل الاسد مجداً لم تبلغه الجرة السحرية في الحكايات، تاج الدين الحسيني كان ظريفاً، عندما تظاهر السوريون ضده أقسم أن يجعلهم يلحسون مؤخرته، وعندما فاز بالرئاسة أصدر طابعاً حكومياً عليه صورته.

لا يزال أزارقة  فيسبوك الكرد، يسردون سلسلة من أسماء أعلام ومشاهير في منشوراتهم على وسائل التواصل، مذكّرين بنسبهم؛ أمثال الصحابي جابان الكردي وابن تيمية وابن خلكان وأحمد شوقي وأحمد تيمور مستدلين عليهم بعلامات  تشبه الشامة على الكتف في الدراما الهندية والحكايات الشعبية، فإن لم يجدوا شامة وشموا، ليس بينهم نبي، وبعض هؤلاء لم يثبت أنهم نطقوا كلمة واحدة بالكردية مثل صلاح الدين الأيوبي، ويجتهد هؤلاء في تبعيث زارا دشت نبياً، وهو في الأغلب الأعم فارسي. تعلم صديق كردي لغة الفرس في أسبوعين والقرابة بين القوميتين الفارسية والكردية كبيرة ، تشبه القرابة بين العبرية والعربية. كل هؤلاء العظام عظموا في ظلال الحضارة الإسلامية التي سمّتْها الألمانية زيغرد هونكة شمس الله!

كان لنبي معجزة كبرى وهي إكثار الخبز، فهو الوحيد الذي يجرؤ على إحضار الخبز من الفرن الوحيد، في منطقة الخصوم، تنقصه معجزة السمك فيغدو بعدها نبياً حقيقياً يكرز بالبشارة. لم يكن بقية سكان العمارة يجرؤون على التسلل إلى الفرن، أسماء عمر وأسامة ومروان تثير الشبهة وتذكّر بآلام قديمة، وليس الصحابة كالأنبياء.

نزحنا وبقي إبراهيم نبي صابراً مع "المليون شهيد"، سألته عن صموده تحت النار، فقال بلكنته الواضحة: ياو، أما قال ربُّ إبراهيم: يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم؟

لم أذكره بجرتي السحرية قط، كيف أذكره بها وقد زودنا بالخبز الأبيض أياما سوداء. لقد فقدت الجرة سحرها، كل السحر للبراميل التي أحرقت أرض النبوّات المباركة.






©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024