معركة تركيا البحرية

عائشة كربات

الأربعاء 2019/05/29
في الوقت الذي تتصاعد فيه الحرب على احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، يكرر المسؤولون الأتراك أنهم على استعداد للقيام بكل شيء للدفاع عن "الوطن الأم الأزرق"، في إشارة إلى البحر الأبيض المتوسط.
وآخر مثال على ذلك وزير الدفاع التركي خلوصي أكار. خلال عطلة نهاية الأسبوع، وأثناء واحدة من أكبر التدريبات البحرية في التاريخ التركي الحديث، كرر أكار التذكير بحقوق تركيا البحرية. جرت المناورات البحرية بعد جميع دول شرق البحر الأبيض المتوسط تقريباً: مصر وإسرائيل والأردن وفلسطين وإيطاليا وجنوب قبرص باستثناء لبنان وسوريا اتحدت ضد تركيا وأنشأت ما أسموه منتدى شرق البحر المتوسط للغاز في كانون الثاني\يناير.
المعركة من أجل الطاقة جعلت شرق المتوسط "صالة عرض للقوات البحرية الكبرى في العالم" وفقاً لنائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم نعمان كورتولموش. حسب قوله، هذه حرب عالمية ثالثة بالوكالة تتضمن ما يحدث في سوريا وتهدف إلى إعادة تصميم الشرق الأوسط.
وقد أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً بأحد أقسى التصريحات حول هذه المسألة وقال: "مثلما قدمنا دروساً للإرهابيين في سوريا، لن نترك البحار لقطاع الطرق. لن نسمح مطلقاً لمحاولات استخراج الموارد الطبيعية من شرق البحر المتوسط بالنجاح، دون ضم تركيا". وأضاف:"نحن فقط نحمي حقوق بلدنا وإخواننا".
لكن المشكلة هي أنه لا يوجد الكثير من الإخوة توجهوا إلى تركيا عندما كان الأمر يتعلق بالمشاركة في مصادر الطاقة. لكن لم يكن الأمر كذلك عندما بدأت المعركة.
أعلنت جنوب قبرص، وفقاً لتركيا، في إجراء أحادي الجانب عن منطقتها الاقتصادية الخالصة في عام 2003. وقد أثارت أنقرة، التي تقترح أن تكون القضية جزءاً من مفاوضات السلام في قبرص، اعتراضاتها على هذه الخطوة في الأمم المتحدة. ومع ذلك، وقّعت جنوب قبرص اتفاقات ثنائية مع مصر في عام 2003 ولبنان في عام 2007.
تركيا في ذلك الوقت عملت بجد للتأثير على هذه الاتفاقيات. خلال حكم محمد مرسي، تم إعداد اتفاق جديد تشارك فيه تركيا، لكن الانقلاب على حكومة مرسي وقع.
وفقًا لقائد القوات البحرية التركية الأدميرال جهاد يايشي، الذي كرس حياته للعمل في شرق البحر المتوسط، فإن أنقرة بذلت قصارى جهدها لمنع التصديق على اتفاقية لبنان وجنوب قبرص في البرلمان اللبناني ونجحت لبعض الوقت.
جنوب قبرص وإسرائيل وقعتا اتفاقية مشاركة ثنائية بعد أشهر فقط من قضية سفينة "مافي مرمرة" في عام 2010 ، عندما تمّت مداهمة أسطول تركي متجه إلى غزة، في المياه الدولية من قبل الجيش الإسرائيلي مما أسفر عن مقتل تسعة مواطنين أتراك. منذ ذلك الحين لم تتعافَ العلاقات الثنائية بين أنقرة وتل أبيب.
لقد حاولت أنقرة جاهدة تغيير أفكار البلدان الأخرى في المنطقة. وفقاً للأدميرال يايشي: إذا تمت المشاركة وفقاً للقواعد الدولية، التي تقترح تركيا تنفيذها، فستكون لكل دولة مناطق اقتصادية حصرية أكبر. سيكون لإسرائيل 4600 كيلومتر مربع، ومصر 21500 ولبنان 3957.
ومع ذلك، ضاعت هذه الفرصة والآن تدخل شركات الطاقة الكبرى المنطقة. سيكون لفرنسا قاعدة بحرية في قبرص. قررت المملكة المتحدة نشر مقاتلات في الجزيرة أيضاً. ويرى بعض الخبراء أن السبب الحقيقي وراء اعتراض الولايات المتحدة على شراء تركيا لنظام الصواريخ الروسي "إس-400"، يرتبط بهذه المسابقة لأنه عندما تحصل تركيا على المنظومة، فإن الهيمنة الجوية للولايات المتحدة على المنطقة سوف تتعرض للإزعاج. 
قد يكون لديهم وجهة نظر لأن مشروع القانون الأخير المقدم إلى الكونغرس الأميركي من قبل الجمهوري ماركو روبيو والديموقراطي بوب مينينديز يهدف إلى مزيد من الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي لجنوب قبرص، وبيعها البنادق والدعم الكامل لجهود الحفر إذا اشترت تركيا منظومة "إس-400".
باختصار، إن بحرنا الجميل الذي يعد مركز فرح وتفاعل بين مختلف شعوب المنطقة عبر التاريخ يزداد عسكرة الآن.
يقترح بعض الخبراء في تركيا الآن أن تشكل البلدان التي تم استبعادها من هذه الصفقات المشاركة، وهي تركيا ولبنان وقبرص الشمالية وسوريا، منتدى خاصاً بها بمساعدة روسيا. قد يكون هذا اقتراحاً مجدياً رغم الصعوبات الواضحة لتحقيق نتائج، ولكن ربما بدلاً من خلق مزيد من الاستقطاب والعواصف، فقد حان الوقت للبحث عن حلول أكثر سلمية لصالح الجميع.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024