الجنس سلاحاً دينياً

محمد خير

الإثنين 2019/06/03

الصورة التي نشرتها إحدى السيدات في واحدة من صفحات الطبخ، كانت لقطعة من الطعام المصري المسمى "ممبار" (الفوارغ)، وكانت السيدة تتساءل منزعجة عن ماهية حبة خضراء غريبة ومقززة ظهرت في قطعة الممبار، لكن الإجابة المفاجئة لم تكن عن الطبخ، بل أتت أكثر إثارة للتقزز من الحبة الخضراء الغريبة.

الذين أجابوا على السيدة، لم يروا حبة الطعام، بل رأوا الكف التي تمسك بها، كفّ عادية مرهقة لربة منزل مصرية يلمع خاتم الزواج في وسطاها، لم يكن في الصورة سوى الكفّ وحدها تحمل الممبار، فإذا بالإجابة تأتي: اللهم إني صائم، إيديكي حلوة(!). ويتبع التعليق آخر أكثر وضوحاً: "على فكرة إيد حضرتك شكلها ملفت ومغري (!) يا ريت لو تشيلي الصورة وربنا يسترنا".

ما الذي يمكن أن يكون "ملفتاً ومغرياً" في كف يد تمسك بقطعة ممبار؟

من المعروف إنه لا نهاية ولا حدود للتفضيلات الجنسية مهما كانت غريبة، لكن أصحاب هذه التفضيلات (والمسماة "انحرافات جنسية" في قاموس آخر)، لا يكشفون عن أنفسهم عادة على هذا النحو، بل يتابعون في صمت وسرية مواقع الانترنت التي تهتم بتفضيلاتهم، حتى لو كان "الفيتيش" المفضل لهم هو قطعة الممبار وحدها بلا الكف.

أما الذين يندفعون إلى الإفصاح "الآمر" عن آرائهم، حتى إزاء أبسط صور الناس وأكثرها شخصية، فهم أنصار السلطة الأخلاقية، الذين يزدهر نشاطهم في شهر رمضان، وعلى رأس ذلك النشاط، توجيه الرسائل - الأخلاقية في ظاهرها والجنسية في باطنها، والعكس- إلى كل امرأة في الشارع الحقيقي أو الواقع الافتراضي، حيث تتكرر عبارة "اللهم إني صائم" لا لضبط النفس أو الغفران، بل ترتفع بالصوت العالي لتسمَعها كل أنثى في الشارع فتشعر إنها مسؤولة عن إفساد صيام الذَّكَر، بملابسها "الملفتة" أو حتى بمجرد حضورها الفيزيائي، يرمقها الذَّكَر بنظرته "الغاضبة" والتمتمات المحوقلة، في سلوك صبياني يحاول به أن يقنع نفسه، بأنه بالكاد يستطيع السيطرة على "فحولته" العارمة التي قد يفجرها –لفرط هولها- أدنى وجود مؤنث، ولو كان مجرد صورة عادية لكف تحمل الممبار. ومن ثم، يتلذذ بالإِشارة شبه المستترة إلى تلك الفحولة المفترضة وما تتعرض له من "استفزاز"، خالطاً في تمتماته وتعليقاته بين "الصيام وربنا يستر" وبين "إيدك ملفتة وحلوة وشكلها مغري".

وتكرَّر ذلك، بصورة أسوأ، وفي "الشهر الكريم" نفسه، حين جلست الشابة هديل على شاطئ بحر الإسكندرية، قبل أن تفاجأ بأحد الشبان يتوقف أمامها أسفل "الكورنيش"، ثم يبدأ في الاستمناء!

لم تفعل هديل سوى أن التقطت له صورة، ونشرتها في "فايسبوك". ربما لا تعرف هديل إنه، على الرغم من أن الاستمناء في حد ذاته لم يعد يتلقى النظرة السلبية نفسها – في العالم المتقدم بالطبع- كما كان الحال لأزمنة طويلة، إلا أن الاستمناء العلني، والرغبة في استعراض الأعضاء التناسلية هي أحد الأعراض المشهورة لاضطرابات التفضيل الجنسي. حتى أن عدداً من القوانين في العالم الغربي يحظر هذا الفعل تحديداً ويعرّفه كجريمة، بينما يرفض آخرون هذا التجريم. إلا أنه في كل الأحوال، في القانون المصري كما في غيره، وباقتراب الشاب من الفتاة وممارسة فعله أمامها، فهو يكون قد ارتكب أحد أشكال التحرش الجنسي، فضلاً عن ارتكاب الفعل الفاضح في الطريق العام.

غير أن ذلك التجريم القانوني لم يشغل أو يعجب الكثيرين ممن رأوا الصورة التي نشرتها هديل، ليس لأنهم من متطرفي الليبرالية الذين يدعمون الحرية الشخصية للاستمناء العلني. بل على العكس، لأنهم، وكما هو الحال دائماً، يرون أن "خطأ" هديل في نشر الصورة لا يقل عن – وربما يفوق- خطأ الشاب، لأنها أقدمت على "فضحه"! نتحدث هنا "فضح" شاب أخرج عضوه الذكري واستمنى في الشارع! وبالطبع فإن الفتاة، بفعلها الجرىء، في مجتمع يفضّل طاعتها، وفي شهر يفضَّل فيه اختفاؤها، لاقت اتهامات كان أقلّها أن ما فعلته "لا يقل قذارة عما فعله الشاب"!

غير أن الفحولة سرعان ما تعود لتتزعم الخطاب الأخلاقي من جديد. يبحث أحد المعلقين في صور هديل، ينشر في تعليقاً على إحدى صورها حيث ترتدي فستاناً فوق الركبة، مفترضاً أنها لا بد كانت ترتدي الفستان نفسه حين رآها المُستمني، مما "دفع" الشاب إلى التوقف أمامها ثم الاستمناء، إذ لا بد أن "فحولته" لم تتحمل، فانفجرت، في الشارع، في نهار رمضان، من ثم فإن الفتاة، في النهاية، هي المخطئة.

أما ما واجهته هيلين، فكان أقسى. في رمضان الحارّ ذاته، قبل يوم واحد من واقعة هديل، وفي أحد شوارع الجيزة، أوقفت هيلين سيارتها لتفحص عجلاتها، فاقترب منها شخصان على دراجة  نارية، وصرخ فيها أحدهما "غطّي شعرك". وقبل أن تقول هيلين أي شيء، مدّ أحدهنا يده بآلة حادة، ليحدث جرحاً قطعياً في رقبتها، وينطلق هارباً مع رفيقه.

نشرت هيلين صورة رقبتها المصابة، ومعها أسئلة مهذبة منها: "عايزة أسال الشخص ده، وكل واحد زيه، هل أنت عارف أنك كان ممكن تسبب في موتي؟ مين أعطاك حق الأمر والنهي؟". والإجابة ليست صعبة، لقد منحته "فحولته" الحقوق كلها، لذا لم يكتف بإصدار الأمر "غطّي شَعرك"، بل "أراق على جوانبه الدم".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024