الكرملين ينكر إحتجاجات العراق

بسام مقداد

الأربعاء 2019/10/09
في كلمته أمام المؤتمر السنوي الأخير لمنتدى "فالداي" الدولي للحوار مطلع الشهر الجاري، وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الشرق الأوسط بأنه "ساحة للتجارب المتهورة" ، التي تمخضت عن "عواقب مأساوية" . وعلى الرغم من مفاخرة القيادة الإيرانية نفسها بدور "تجربتها" منذ العام 1979 في وصول المنطقة إلى هذه "العواقب المأساوية" ، إلا أن لافروف يرى أن إيران هي الضحية ، وأن الولايات المتحدة تعمل بمختلف الوسائل على "شيطنتها وعزلها وإجبارها على الإستسلام " . وبعد أن يشير إلى أن الولايات المتحدة تستفيد من اضطرابات الشرق الأوسط لبيع السلاح وضبط مسارات النفط ، يقول بأن سياستها هذه حيال إيران ، هي سياسة قصيرة النظر ، وأن اتهاماتها لإيران لا تستند إلى أية "وقائع مقنعة" . 

لافروف الذي يرى أن الولايات المتحدة تستغل اضطرابات المنطقة من أجل بيع السلاح ، كان يحزم حقائبه في الأثناء لزيارة بغداد من أجل أن يؤكد على عزم روسيا تنفيذ اتفاقات توريد السلاح إلى العراق ، على ما ذكرت صحيفة الكرملين "vz" في السابع من الشهر الجاري . وتقول الصحيفة أن لافروف قصد العراق في أول زيارة له منذ خمس سنوات ، وحطت طائرته في بغداد ، التي تشهد منذ نهاية لأسبوع الماضي إحتجاجات السكان "بسبب القضايا الإجتماعية" ، واغفلت أي ذكر للعامل الإيراني في هذه الإحتجاجات . 

لم تكن صحيفة الكرملين الموقع الإعلامي الوحيد ، الذي يتجاهل العامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية . فالتقرير ، الذي نشرته وكالة نوفوستي الثلاثاء في 8 الشهر الجاري عن الحدث العراقي ، لم يأت على ذكر إيران لا من قريب ولا من بعيد . وينقل التقرير عن أحد الخبراء الروس في الدراسات الإستراتيجية قوله ، بأن السبب الرئيسي للإستياء الجماهيري يكمن في فشل السلطة في تحقيق الآمال ، التي عُقدت عليها بعد انتخابات العام 2018 البرلمانية. ويرى هذا الخبير أنه ليس للإحتجاجات من برنامج أو قائد محدد ، ولذلك لا تحمل أي خطر حقيقي على الأمن والإستقرار الإقليميين حتى الآن ، والأمر الأهم ، برأيه ، هو ألا تنضم  المحافظات السنية إلى الإحتجاجات ، إذ تحصل بغداد في هذه الحالة على تفويض مطلق باللجوء إلى وسائل أكثر تشدداً بحجة محاربة الإرهاب . 

وفي تعليق لها على زيارة لافروف "التاريخية" إلى بغداد وأربيل ، تتجنب صحيفة "الإزفستيا" أيضاً ذكر العامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية ، وتشير إلى أسبابها الإجتماعية الإقتصادية فقط . وينقل مراسل الصحيفة في بغداد عن مصادر دبلوماسية قولها ، بأن الإحتجاجات لم تلحق أي ضرر بالشركات الروسية العاملة هناك ، بل تستمر شركات النفط الروسية بالعمل في شمال البلاد منذ العام 2010 ، وليس لديها ما تخشاه ، طالما أن الإحتجاجات تجري في بغداد وعدد من مدن الجنوب ، ولن تؤثر على عملها .

 ليس من المفهوم هذا التجاهل للعامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية الحالية ، على الرغم من أن الصوت الرافض لحضوره في العراق كان مرتفعاً للغاية ، ما دفع بالأحزاب العراقية الموالية لإيران لأن تنأى بنفسها عن الحراك الراهن ، ولا تحاول ركوب موجته ، كما درجت عليه في الإحتجاجات السابقة في المناطق الشيعية . كما أن الإيرانيين أنفسهم ، وعلى مختلف المستويات ، لم يخفوا موقفهم المعادي لهذا الحراك ، ومسارعتهم على لسان المرشد الأعلى وائمة صلاة الجمعة إلى اتهام الأعداء بزرع الشقاق بين الشعبين الإيراني والعراقي ، اللذين "يجمعهما الإيمان بالله ومحبة الإمام الحسين " . 

وفي ما يشبه الرد على اتهامات خامنئي "الأعداء" بالوقوف وراء احتجاجات العراق ، يصف "مركز كارنيغي" موسكو القول بأن الولايات المتحدة توجه الإحتجاجات في العراق يبدو قولاً "مألوفاً وخيالياً" للغاية . لكن أنصار مثل هذا التفسير للحدث العراقي مقتنعون ، حسب الموقع ، بأن واشنطن تستغل الوضع لمعاقبة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على محاولاته إظهار إستقلالية في السياسة الخارجية . ومنذ سقوط نظام صدام حسين تتصارع الولايات المتحدة وإيران على النفوذ في العراق ، بينما تحاول السلطات في بغداد إظهار الإستقلالية وانتهاج سياسة خارجية متعددة الإتجاهات . فعلى الرغم من ضغوط واشنطن ، نشّط العراق التعاون العسكري التقني مع روسيا ، وذلك حين احتاجت بغداد إلى دعم فوري في صراعها مع "الدولة الإسلامية" وتلكأت واشنطن في تقديم مثل هذا الدعم . لكن هذا التعاون لم يقتصر، حسب الموقع ، على الحقل العسكري فقط ، بل يشمل الآن مجال النفط والغاز ، ولم تخسر موسكو مشروعاً واحداً في العراق ، ولا تعرقل تعاونها مع بغداد سوى مسألة المدفوعات ، التي يتم التغلب عليها بشكل أو بآخر.

لم ينسحب تجاهل مواقع إعلام الكرملين الرسمية هذا للعامل الإيراني في الإحتجاجات العراقية ، على المواقع الإعلامية الروسية الأخرى ، حتى تلك التي تدور في فلك الكرملين . فقد كتبت صحيفة "NG" بمناسبة زيارة لافروف تلك تقول بأن "لافروف يتوجه إلى بغداد المتمردة" ، وأن العراقيين يحتجون ضد الفقر والإيرانيين. وتقول الصحيفة ، أن من اللافت أن المشاركين في الإحتجاجات وضعوا نصب أعينهم الإعتراض على علاقة الحكومة المركزية في العراق بالسلطات الإيرانية ، وعبروا عن استيائهم من مستوى تبعية عدد من السياسيين المحليين للنخبة السياسية والعسكرية في إيران . 

وتنقل الصحيفة عن منسق البرامج في المجلس الروسي للعلاقات الخارجية قوله بأن عدم الإستقرار السياسي في العراق سوف يخلق مصاعب للمخططات الإيرانية في المنطقة . لكن هذا لا يعني ، برأيه ، أن إيران سوف تفقد مواقعها في العراق ، وذلك لأنها تتابع منذ زمن بعيد كل ما يجري في العراق وتوطد علاقاتها ، ليس مع النخب السياسية فقط ، بل ومع السكان أيضاً . 

وفي تعليق له على الوضع الراهن في العراق ، تنقل الصحيفة عن زعيم كردستان العراق نيشيرفان بارزاني قوله ، بأنه ليس في مقدور أية حكومة أن تحل جميع هذه المشاكل في فترة قصيرة ، وتحتاج تلبية مطالب الشعب إلى تضافر جميع القوى ووحدتها . 

من جهة أخرى ، وتحت عنوان "ما الذي يجري في العراق"  ، كتب موقع "kasparov" الروسي المعارض في 6 من الشهر الجاري يقول ، بأن العراقيين لا يربطون واقعهم المعيشي المدقع بالسلطات العراقية فقط ، بل يربطونه أيضاً بإيران ، التي تحتل العراق عملياً . ويرى الموقع أن اتهامات العراقيين لإيران مبررة كلياً . فالنظام التوتاليتاري المشرقي ، الذي يسيطر على إيران ، ينتهج سياسة توسعية في المنطقة ككل، ويمتص جميع موارد العراق . ويرى أن سكان البلاد لا يحصلون إلا على مايبقيهم على قيد الحياة لا أكثر ، إذ أن العراق يجري نهبه من اللصوص المحليين الفاسدين ( يحتل العراق المرتبة 12 في العالم بمستوى الفساد) ومن الإيرانيين المحتلين . 

ويرى الموقع أن ما يجري في العراق شبيه تماماً بما يجري في فنزويلا الغنية ، حيث يسحب نظام المخدرات من البلاد كل مواردها ، وشبيه بما يجري في روسيا ، البلد الأغنى بالموارد الطبيعية في العالم ، حيث يعيش شعبها أسوأ مما في إفريقيا في ظل استمرار أوليغارشيي بوتين بجمع الثروات . ويقول بأن جميع الأنطمة التوتاليتارية الإرهابية تبدو متشابهة عملياً ، من حيث احتقارها اللامحدود لشعوبها ، سواء كانوا عراقيين أو إيرانيين أو روس . 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024