خواطر رئاسية

شبلي ملاّط

السبت 2015/11/28

السؤال المطروح على اللبنانيين هو التالي: هل نستمرّ في الفراغ الرئاسي، أو ننتخب الأستاذ سليمان فرنجية في الأيام المقبلة رئيساً للجمهورية؟

والجواب مرتبط بالخيارات المتاحة، أولها هل من الممكن في المستقبل المنظور أن يتمّ اختيار رئيس – أو رئيسة، وقد آن الآوان لاعتبار نصف الشعب مؤهلاً ليكون ممثَّلاً شرعاً وفعلاً – أفضلَ من النائب فرنجية؟

في الحالة الراهنة، ولو يبدو الأستاذ سمير فرنجية بالنسبة للكثيرين، وعلى سبيل الرّديف العائلي، شخصاً أكثر تأهيلاً في علمه ومواقفه، لا سيّما في التاريخ اللبناني الخاص بالتمداد المتوارث صماماً للأمان، ناهيك عن التركة المرّة التي تعود بنا أجيالاً الى تقديم شخصٍ أقلَّ شأناً من والده المرحوم حميد فرنجية في الرئاسة عام 1952، لكنّ مثل هذه الطروحات البديلة ترَفٌ، لأن الوضع الداخلي والدولي لا يسمح بها.

فما طرأ داخلياً من تعطيل في الآلية الدستورية هرطقة لا سابق لها في العرف الإنتخابي. أستذكر هنا مقطعاً للأستاذ أحمد بيضون في كتابه الأخير  فسبكات يختصر فيه هذه الهرطقة ببلاغته المعهودة:

"إمّا أن تَنْتخبوا من أريد أو أَمْنع اجتماعَ الهيئة الناخب". أظُنّ أن اعتمادَ هذا المبدإ قاعدةً عامّة لسلوك مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس الجمهورية أمرٌ لا سابق له في تاريخ هذا النوع من المجالس. قد يكون هذا الأمر حصل هنا أو هناك، في العالم الواسع، في وقت من الأوقات. وأما أن تصبح هذه هي القاعدة العامّة، المقبولة ضمناً من جميع الأطراف في المجلس، فتلك، على حدّ علمي، خصيصة جديدة من خصائص الصيغة"الفريدة" التي لا تفرغ جعبتها من المدهشات. وهي خصيصة تنتهي إلى إلغاء مبدإ الانتخاب، لا أكثر ولا أقلّ! (انتهى الإقتباس)

هذا لناحية الإعوجاج الدستوري العضال الذي ابتكره مجلسنا الممدّد له. وأما ما طرأ دولياً من استمرار الحكم في سوريا على ما هو من قساوةٍ تجاه ثورة شعبية عارمة ، لا سابق لها في التاريخ الحديث، فقدرة بشار الأسد على استدراج إيران وروسيا في حلفٍ مقاتل لإبقائه في الحكم جعل صائباً في مرحلتنا الراهنة ما كان النائب فرنجية قد صرّح به العام الماضي عن استحالة وصول مرشح للرئاسة في لبنان من غير تأييد الرئيس السوري له.

وعلينا ألاّ ننسى أن كرة الترشيح بدأت في زيارة قام بها النائب فرنجية الى الشام للقاء الأسد في 22 تشرين الأول 2015، تلاها حديث النائب وليد جنبلاط عن استعداده لانتخاب سليمان فرنجية وتنويهاً بصراحته في أوائل هذا الشهر.

وبناءً على هذه الصراحة قد يكون مفيداً فيها أن يعلم اللبنانيون عن تفاصيل اللقاء الذي تمّ في باريس بين النائبين فرنجية والحريري، فيكونوا على بيّنة من المسار الذي قد يأتي به الى الرئاسة بصراحة تكون حتماً عنواناً للعهد الجديد، فتفتح نافذة جديدة على بلدنا المنكوب بالتستر والكذب الملازمين للشأن العام.

وبالتحديد ، من الملحّ مصارحة لقاء باريس، ليس فقط لحصوله، بل في ما دار به عن التزام المرشّح الرئاسي تكليف ندِّه السياسي برئاسة مجلس الوزراء اكتمالاً لوحدة وطنية تخرجنا من مستنقع لبنان المستشري داخلياً ودولياً.

ورغم الإمتعاض المتزايد من الهول الذي يرافق النظام السعودي على امتداد الخمسين عاماً المنصرمة، لا بدّ من التركيز  على ضرورة عودة سعد رفيق الحريري الى لبنان، لأن البلد لا يكتمل دونه، كما  أن لبنان لم يكن مكتملاً  طالما كان العميد ريمون اده والعماد ميشال عون غائبَين عنه. لقاء باريس، مرتبط في نجاحه المستقبلي بتأكيد عودة النائب الحريري رئيساً لمجلس الوزراء. كلّ ما دون مثل هذا الإلتزام يشكّل نقصاً منذراً باستمرار المستنقع لأن الثنائية الرئاسية هذه وحدها قمينة بإنجاح بلادنا في تخطّي الأتون السوري بحلّة جديدة. هذه حلّة  تأتي بمرشح بشار الأسد كما مرشح الثورة السورية الى الحكم سويةً في صالح لبنان، بل في صالح مستقبل سوريا، علَّهما يساهمان معاً في حلّ نكبة العصر الجديد في شرقنا المليء بالنكبات، وهي بعد فلسطين نكبة بلاد الشام.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024