ايران ونصف الدعم الاوروبي

حسن فحص

الأحد 2020/09/13
على مسافة تقارب الاسبوع او السبعة ايام من الموعد الذي حدده وزير الخارجية الامريكية مايك بومبيو (20 ايلول/ سبتمبر 2020)  لتفعيل آلية "الزناد" او "السناب باك" المدرجة في قرار مجلس الامن الدولي 2231 الضامن للاتفاق النووي بين ايران ومجموعة دول 5+1، خرج اجتماع وزراء خارجية الترويكا الاوروبية المشاركة في الاتفاق النووي (المانيا وفرنسا وبريطانيا) مع ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي بموقف قد يشكل بداية ظهور تباين يمكن ان يتحول الى حقيقي بين موقف هذه الدول وبين الادارة الامريكية في التعامل مع الازمة الايرانية عندما اعلن المجتمعون رفض هذه المساعي لما تشكله من تعارض مع آلية الاتفاق، الا ان هذا الموقف جاء مشروطا بعودة ايران للتطبيق والتزام مفاد الاتفاق كاملا والتخلي عن الخطوات التي قامت بها في تقليص هذه الالتزامات منذ ايار/ مايو 2019 ردا على العقوبات الامريكية.
 

وآلية "الزناد او سناب باك " الى جانب انها تقطع الطريق على انتهاء مدة العقوبات على بيع الاسلحة التقليدية لايران في 18 تشرين الاول اكتوبر 2020، فانها تسمح ايضا باعادة فرض العقوبات الدولية الشاملة على النظام الايراني بذريعة عدم التزامها بتنفيذ الاتفاق والتخلي عن طموحاتها في السعي للحصول على سلاح نووي، وتفرض على دول المجتمع الدولي الالتزام بتطبيقها ومعها الاضافة التي تضمنتها الشروط الامريكية التي وضعت مروحة واسعة من المطالب تبدأ بالانسحاب الايراني من منطقة غرب آسيا وتقليص نفوذها في دول الشرق الاوسط والتخلي عن دعم حلفائها الذين يشكلون مصدر تهديد لاستقرار دول الاقليم وعملية السلام، فضلا عن التهديد الذي يشكله برنامجها الصاورخي. 

نصف الموقف الاوروبي، قد يدخل في معادلة العصا والجزرة في التعامل مع الادارة الايرانية، لم يأت هذا الموقف من دون مقدمات عملية تتعلق بالملف النووي وكان المطلوب من الجانب الايراني ان يقوم بها، فضلا عن خطوات اخرى لها علاقة بالملفات الاقليمية تشكل مساحة اهتمام مشترك بين طهران وهذه العواصم. وقد بدأت مؤشرات ترجمتها في النتائج الايجابية التي اسفرت عنها زيارة رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي وسمحت لمفتشي الوكالة الدولية بالوصول الى منشأتين تدور حولهما الشكوك باستخدامهما لانشطة نووية غير مصرح بها وكانت شرطاً اوروبياً وتحديداً من الترويكا لتسهيل مهمتها في مواجهة الضغوط الامريكية التي تنسف الاتفاق النووي من اساسه. وتعززت هذه المؤشرات في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السويسري إغناسيو كاسيس الذي تتولى بلاده رعاية المصالح الامريكية في طهران والمصالح الايرانية في امريكا ولعبت دوراً اساسياً في تبادل الرسائل بين الخصمين في اكثر الازمات توتراً، والنتائج المثمرة التي خرجت بها هذه المحادثات الثنائية حول مواضيع السلام والتنمية وحقوق الانسان وتفعيل التجارة بين ايران واوروبا في اطار آلية التعامل التجاري والمالي انستكس.
 

في المقابل، استطاعت طهران - وبحنكة حائك السجاد - ان تحيك حدود تنازلاتها باعتماد الاسلوب الاوروبي نفسه، وان تستخدم ما تملكه من "جزر نووي واقليمي" مقابل "عصا" عدم التعاون والاستمرار في عرقلة اي جهود لتخفيف التوتر في منطقة غرب آسيا. اي انها ذهبت الى سياسة توظيف الحاجات الاوروبية في منطقة الشرق الاوسط وفي الساحات التي تملك نفوذاً اساسياً فيها للحصول على مواقف اوروبية تشكل دعماً مشروطاً لها في مواجهة الضغوط الامريكية. وتوظيف هذه المواقف في تعزيز تمسكها برفض الانفتاح على مطلب ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترمب بالتفاوض والحوار على تفاهم او اتفاق جديد، وهو ما سمح للرئيس حسن روحاني بان يتمسك بالموقف الدائم للنظام الايراني بالتأكيد على ان اي تفاهم مع واشنطن مشروط بعودة الاخيرة الى الاتفاق النووي ووقف العقوبات التي فرضتها، وان عودة طهران عن الخطوات التي اتخذتها بتقليص التزاماتها النووية مشروط استفادتها من محفزات الاتفاق النووي في الجانب الاقتصادي والنقدي والحصول على عائداتها من بيع النفط والتجارة. 

لعبة "النوايا الحسنة" التي تمارسها كل من طهران والترويكا الاوروبية تجري في فترة الفراغ التي تمر بها الادارة الامريكية التي دخلت في اللحظات الاخيرة لمعركة الانتخابات الرئاسية في 3 تشرين الثاني نوفمبر 2020، والطرفان يسعيان لتحقيق انجازات حقيقية على خط التعاون الثنائي قبل ان تحسم نتائج هذه الانتخابات، وبالتالي فان طهران لم تمانع في تسهيل الجهود الفرنسية التي يبذلها الرئيس ايمانويل ماكرون في الازمة اللبنانية والدخول على الازمة العراقية وما يعنيه ذلك من موقع يدعم الموقف الفرنسي في مواجهة العودة التركية الى لعب دور فاعل في الحوض الشرقي للبحر الابيض المتوسط، وهي تتعامل معها على مبدأ اعطاء الفرصة لتحقيق تفاهمات بعيداً عن التأثير او الضغوط الامريكية المباشرة، لعل الجولة الاوروبية التي من المقرر ان يقوم بها وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف في الايام المقبلة ستساهم في رسم دوائر التعاون والتنسيق الايراني الاوروبي في المرحلة المقبلة وآليات التعزيز المتبادل والمتقابل لادوارهما في مواجهة الادارة الامريكية.  وفي حال فشل هذه المساعي فان طهران ستبقى بانتظار اتضاح الصورة الامريكية الداخلية للعودة الى لعبة شد الحبال مع واشنطن في مختلف الملفات الاقليمية والداخلية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024