الثورة السورية في غيبوبتها

ساطع نور الدين

الخميس 2020/03/19
رسالة الى صديق سوري في المنفى:

لم يكن فيروس كورونا والغيبوبة التي يفرضها على العالم أجمع، سبب مرور الذكرى التاسعة للثورة السورية مرور الكرام، بصفتها حركة من الماضي، من التاريخ البعيد، لا تجوز عليها سوى الرحمة، ولا يستحق روادها سوى العطف، ولا يكسب جمهورها سوى سبيل جديد الى الموت.

كان الفيروس القاتل مبرراً للسكون، لكن الاهم أنه كان مهرباً من الحساب، أو على الاقل من النقاش الذي تستدعيه الذكرى التاسعة، أو يفرضه الدخول المفترض في السنة العاشرة من عمر الثورة، إذا كان ثمة سؤال يطرح في المناسبة، وإذا كان ثمة أجوبة تقدم، لما يربو على العشرين مليون إنسان، ممن بقوا على قيد الحياة ، لكنهم خسروا الهوية، وفقدوا الصلة بالزمان والمكان، وصارت عناوين التواصل في ما بينهم تقتصر على تعداد القتلى والجرحى والاسرى، وعلى تعقب النازحين في مختلف أرجاء المعمورة.

لم يعد هناك ثورة يمكن ان يحكى عنها، عن تجربتها، عن وعودها، عن مستقبلها. وهو ما لا يعوض بالقول مثلا انه لم يعد هناك نظام أيضاً، يمكن مقارعته. بات الوجود السوري برمته وهمياً،  بل يبدو لمعظم السوريين، موالين ومعارضين، أنه كان في الاساس مفتعلاً، ولم يكن له أي سند على أرض الواقع. التمزق الراهن للوطنية السورية، كان هو الأصل، وكل ما عداه أوهام وخرافات. ظاهرة نبش القبور المتكررة ليست أمراً عارضاً لا في السلوك ولا في الوعي ولا الثقافة. ومثلها أيضا ظاهرة تصدير المرتزقة السوريين الى طرفي الحرب في ليبيا.
 

عندما لا يبقى للآخر الحق بقبر في سوريا، يصبح الكلام عن حل سياسي، عن مصالحة وطنية، عن مسامحة، سابقاً لأوانه جيلين أو ثلاثة أجيال، وربما أكثر، وتكون التصفية النهائية هي المراد الوحيد.. برغم ان الصراع لم يعد صراعاً حصرياً بين السوريين أنفسهم، لا سيما وأن المتحاربين غير السوريين على بعض الجبهات، باتوا أغلبية، وصار التناحر الخارجي على سوريا أهم وأبعد من كل ما كان مطروحاً قبل تسع سنوات على جدول الاعمال السوري.

الإشتباك التركي الروسي الاخير، الذي هدأ لكنه لم ينته، لا يمكن أن يغطي على الذكرى التاسعة للثورة، أو أن يلغيها. يمكن إعتباره حقبة من الانفجار السوري، ما زال ملايين السوريين خارجها، بعيدين عنها، يمضون الوقت في الردح للروس او للاتراك، أو للنظام او حتى للمعارضة، كأنهم في مبارزة لغوية أو لسانية، او مباراة على كسب الجمهور الافتراضي على السوشيال ميديا.

هذه الملايين باتت نصفين: نصف في الداخل ينتمي الى النظام او يخشاه، ونصف في المنفى لا يجد في المعارضة سوى بقايا هيئات وتشكيلات وتنظيمات وحتى تجمعات هرمت بسرعة فائقة. وهم يعبرون عن أنفسهم وعن مواقفهم ويخوضون النضال بطريقة عفوية فردية إنفعالية، تنبىء بأن النظام لن يتغير على أيديهم.. إلا بعد عقود من الزمن.

من خارج سوريا، من بيروت على سبيل المثال، ما كان يبدو خياراً مريحاً، صار طريقاً مسدوداً: السنوات الاربع الأخيرة من عمر الثورة أتاحت الفرصة للنأي عن سوريا، حيث يستحيل التسامح مع النظام بعدما تكشف من وحشيته، كما يصعب التلاقي مع الاشكال الاسلامية الحالية من المعارضة التي غلبت عليها البربرية. أما الرهان على الشتات السوري فهو أمر يفوق القدرة على الصبر، خاصة وأن الوعد بإطلاق ما يمكن ان يسمى جدلاً، "منظمة التحرير السورية"، هو محض خيال، لن يربك موسكو ولا طهران ولا يقلقهما طبعا.

مع ذلك، لم يبق، للأسف الشديد، سوى تلك المقاربة للشأن السوري، التي تعلي شأن النازحين في شتى أصقاع الارض، وتزعم أنهم الأمل الوحيد، ولو البعيد، في تغيير النظام لا في إسقاط الرئيس فحسب. فهؤلاء كانوا ولا يزالون يستحقون أفضل من بشار الاسد، وأفضل من تلك الفصائل الاسلامية السورية المهينة لفكرة المعارضة وجوهرها. وهؤلاء أيضاً تحرروا نهائياً من النظام ونجوا من قبضة روسيا وإيران، وفتحت الآفاق الواسعة أمامهم أكثر من أي وقت مضى.

النزوح فرصة، أمل، ربما . هي مجرد خاطرة، تتحدى الغيبوبة  في زمن الكورونا.                 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024