إدلب والمواجهة الروسية الأميركية

بسام مقداد

الجمعة 2018/09/14

في ضوء التشدد الأميركي المستجد حيال الوضع في سوريا ، تدرك روسيا ، أن حقل المناورة يضيق أمامها . وهي ترى ، أن الولايات المتحدة قد رفعت بشدة "الرهان في حرب الأعصاب السورية" ، حسب صحيفة الكرملين "vz" ، وتهدد الأحداث في سوريا باتخاذ منعطف حاد في أية لحظة . والسؤال هو أي حدث يسبق الآخر : بلوغ الجيش السوري إدلب ، أو التحجج باستخدام السلاح الكيميائي لتوجيه ضربة عسكرية أميركية تستهدف ، ليس المواقع السورية فحسب ، بل الروسية والإيرانية أيضاً .

وترى الصحيفة ، أن الولايات المتحدة ، وبعكس الحديث عن "الخروج من سوريا" ، تعزز من وجود جيشها على الأراضي السورية ، إذ وصل في الأيام الأخيرة حوالي مئة جندي إلى قاعدة التنف من الأردن ، ويجري نقل الأسلحة والذخائر من قواعد في كردستان ، عبر الأراضي التي تسيطر عليها التشكيلات الكردية الموالية لأميركا . وتشير الصحيفة إلى قيام حاجز لقوات النظام السوري في القامشلي باعتراض رتل من الشاحنات الأميركية المحملة بالسلاح ، ومسارعة القوات الكردية إلى الإشتباك مع الحاجز السوري ليكمل الأميركيون طريقهم . وتلفت الصحيفة الإنتباه إلى أن الأميركيين لم يشتبكوا مع السوريين ، بل انتظروا قدوم الأكراد ليقوموا عنهم بالمهمة ، مما يشير إلى أن العسكريين الأميركيين لم يتلقوا بعد أوامر بإطلاق النار على السوريين، على الرغم من قصفهم المتقطع في محافظة دير الزور .

وتتهم الصحيفة الولايات المتحدة بالسعي للمحافظة على "محمية إدلب" كبؤرة للتوتر ، تبرر وجودها في سوريا ، التي كانت قبل شهرين من الآن أرضاً "ينبغي مغادرتها" . وهي ترى أن قاعدة التنف الأميركية لم تنطلق منها عملية واحدة ضد "الدولة الإسلامية" وسواها من التنظيمات المتشددة ، على الرغم من "الثرثرة" الأميركية الدائمة "بضرورة القضاء على الإرهاب" . لكن حين يتم القضاء على الإرهاب فعلياً ، فلن تبقى أي حجج لتواجد القواعد الأميركية على الأراضي السورية . ولم يعد من الممكن وقف الهجوم على إدلب بأية وسائل أخرى ، سوى من خلال "مسرحية السلاح الكيميائي" .

لكن إذا كانت مسرحية السلاح الكيميائي يمكن ، حسب الصحيفة ، أن تعمل في أي وقت ، فإن جبهة الجهاديين يمكن أن تنهار في أية لحظة . فالتوازن على الجبهة لن يصمد طويلاً ، لأن ذلك ليس في صالح دمشق أبداً ، على قولها. ومنذ ثلاثة أسابيع وموسكو تمنع السوريين من بدء الهجوم ، على الرغم من أن "الدمل ينبغي فقأه" ، وحينها يمكن "أن يحدث أي شيئ" .

لكن ، وخلافاً للإعلام المرتبط بالكرملين مباشرة ، فإن الإعلام الروسي المستقل ، أو الذي يحتفظ بمسافة عن الكرملين ، يحاول تلمس المخاطر الحقيقية الكبيرة ، التي يحملها  الوضع المتفجر في إدلب . فقد كتبت صحيفة "kommersant" المستقلة تقول ، بأن "عملية إدلب أصبحت محفوفة بمخاطر غير مبررة بالنسبة لروسيا" . وتشير الصحيفة إلى أن الوضع في إدلب أصبح يذكر بقنبلة موقوتة تهدد بتفجير ، ليس المنطقة وحسب ، بل والعلاقات بين دولتين نوويتين عظميين . وإذا صدقت مصادر الصحيفة الأميركية "وول ستريت جورنال" ، فلا يستبعد في واشنطن ضرب اهداف عسكرية روسية وإيرانية ، رداً على استخدام قوات بشار الأسد السلاح الكيميائي خلال الهجوم ، الذي يعد على إدلب .

وليس من الصعب ، حسب الصحيفة ، تصور ردة فعل موسكو إذا هاجمت الولايات المتحدة ، بشكل متعمد وليس عن طريق الخطأ ، عسكرييها وأجهزة دفاعها الجوي . والوضع الآن أشد توتراً ، وأكثر خطورة ، مما كان عليه في شهر نيسان/أبريل الماضي ، حين قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوجيه ضربة رمزية إلى أهداف حكومية سورية ، بعد الإتفاق مع الروس حول كيفية تخفيض أضرار العملية .

لقد ساءت العلاقات كثيراً منذ ذلك الحين بين موسكو وواشنطن ، وليس من ثقة ، أن الساسة والجنرالات قادرون على التوافق . فالأميركيون مقتنعون ، أن الجيش السوري سوف يستخدم الكلور خلال الهجوم على إدلب ، الذي يعتبرونه حتمياً ، بل ويؤكدون أن بشار الأسد قد أصدر مثل هذا الأمر ، حسب الصحيفة .

والعسكريون الروس من جانبهم ، مقتنعون ، حسب الصحيفة ، أن المعارضة في إدلب تعد لمسرحية استخدام السلاح الكيميائي من قبل دمشق ، وخلق الحجة للحلفاء الغربيين بضرب الأهداف السورية . وإذا كان الأمر كذلك ، وكانت المسرحية معدة جيداً ، فإن الضربات تصبح حتمية ، إذ من الصعب التصور ، أن واشنطن ولندن وباريس سوف يتخلون عن فرصة إيقاف دمشق عند حدها ومعها موسكو ايضاً .

وتقول الصحيفة ، أن موقف أنقرة يزيد الوضع تعقيداً ، خاصة بعد فشل قمة طهران ، حيث لم يتمكن رجب طيب أردوغان من إيجاد لغة مشتركة مع كل من الرئيسين الروسي والإيراني بشأن إدلب ، التي يعتبرها من مسؤوليته ، ويقف ضد هجوم الجيش السوري عليها . وإذا تعرض الهجوم للفصائل ، التي تؤيدها أنقرة ، فإن التحالف الظرفي مع موسكو سوف ينهار ، وهو آخر ما يرغب به الكرملين في الظروف الراهنة .

وتشير الصحيفة إلى أن عملية إدلب ، التي تستهدف جميع الفصائل بغية الإستيلاء على المحافظة برمتها ، تصبح بالنسبة لموسكو محفوفة بمخاطر غير مبررة . لكن التخلي كلياً عن مخططات الهجوم على إدلب، أصبح أمراً متعذراً ، بعد أن أصبحت جميع القوى في حال استنفار كامل . غير أن بوسع موسكو محاولة إقناع الرؤوس الحامية في دمشق وطهران بجعل الضربات تقتصر على المجموعات الجهادية الراديكالية ، وتحييد من تعتبرهم أنقرة حلفاء لها ، ومستعدة لتحمل مسؤولية تطهير المناطق ، التي تنطلق منها طائرات الدرون ضد قاعدة حمييميم ، ويمكن أن ينطلق منها أعداء الأسد لمهاجمة اللاذقية وحماة أو حلب . على أن يبقى ، عند هذا ، وضع الجزء الأساسي من المحافظة معلقاً كما هو عليه الآن ، مما يسمح بتفادي موجات التهجير الحاشدة ، التي يخشاها الإتحاد الأوروبي وتركيا .

وتخلص الصحيفة إلى القول ، بأن هذا ليس أفضل الحلول من الناحية العسكرية ، لكن الحلول السياسية ينبغي أن تتقدم أحيانا على الحلول العسكرية الصرف ، خاصة إذا كان خطر التدهور العالمي كبيراً جداً ، وإذا كان يهدد بأن يفلت ويخرج عن السيطرة ، وإذا كان ينبغي ربح الوقت . ومن الواضح ، أن موسكو سوف يتعين عليها في الأيام القريبة القادمة اتخاذ القرار ، الذي قد يكون القرار الأهم خلال سنوات حملتها السورية .







©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024