مفاوضات أستانة وكعب آخيل

علي العبدالله

الأربعاء 2017/01/25

إذا كانت مفاوضات أستانة تنطوي، في حال نجاحها، على وقف إراقة دماء السوريين فإنها تنطوي، في الوقت ذاته، على مخاطر جمة على مطالب السوريين بالحرية والكرامة في ضوء موقف روسيا وإيران، ولكل منهما اعتباراتها الخاصة، الرافض لشرعية الثورة والتغيير، وهذا يتطابق مع وجهة نظر النظام بخصوص مستقبل سوريا دولة وشعبا، وفق ما كشفه التحرك العسكري والسياسي، خاصة بعد سيطرت النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيين وميليشياتهم الطائفية على شرق حلب، والترتيبات التي اعتمدت لمؤتمر الأستانة.

لقد أثارت المواقف والوعود الروسية والتركية المعلنة، على الضد مما شهدته الكواليس، آمالا عريضة بإطلاق عملية سياسية تستهدف وحدة سورية واستقلالها وسيادتها الوطنية في ظل نظام تعددي وغير طائفي وبمشاركة الجميع، في تأكيد لما ورد في قرار مجلس الأمن رقم 2254، في حين تقول التسريبات إن روسيا، وبمساعدة من تركيا، قد وضعت فصائل المعارضة أمام خيارين محددين: الاحتواء أو الفناء، وفق تعبير المحلل السياسي الأميركي فابريس بالونش في مقالته "هل تحل الأستانة محل جنيف في عملية السلام السورية؟" التي نشرت على موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يوم 20/1/2017.

لقد لعب الجانب التركي دورا كبيرا في إقناع ممثلي الفصائل التي شاركت في مفاوضات أنقرة مع العسكريين الروس بالموافقة على الذهاب الى الأستانة عبر عملية ترغيب وترهيب دقيقة بالحديث عن أهمية العملية السياسية في وقف إبادة السّنة وتهجيرهم، والتلويح بوقف الدعم العسكري وإغلاق المعابر وتسليمها للحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ما يعني خسارة الفصائل التي تدير هذه المعابر ملايين الدولارات سنويا، مصدرها الرئيس في تمويل نشاطاتها. وكان قيادي في أحد الفصائل، طلب عدم الكشف عن أسمه، قد كشف لصحيفة "لوتون" السويسرية عن مدى قدرة تركيا على إلحاق الأذى بالمعارضة بقوله:"ينتشر في شمال سوريا العديد من عملاء المخابرات التركية في كل مكان، فهم يعرفون مكان إقامة قيادات المعارضة، ومن من يتلقون أوامرهم. فعندما تأمر أنقرة بالتوقف، فلا شيء بيد تلك الجماعات أن تفعله إلا أن تمتثل للأوامر وتنفذها".

لعل أول تجليات المخاطر التي تحيق بالفصائل وبمطالب السوريين بالحرية والكرامة ذلك التوجه الذي برز خلال المفاوضات التحضيرية، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية عن محمد الشامي٬ القيادي في الجيش السوري الحر وعضو وفد المعارضة في مؤتمر آستانة، حيث قال:" كانت الأحاديث تتركز حول تحديد الفصائل التي ستُكلف بمهمة محاربة الفصائل الإرهابية والتي سيصدر المؤتمر قائمة بأسمائها٬ وحرصت الدول الراعية والداعمة للمؤتمر، روسيا وتركيا وإيران، على الاتفاق مع المعارضة على ضرورة مقاتلة الإرهابيين"، مطلب لم يرد في نص الوثيقة الختامية التي أعدتها هذه الدول. وأما ثاني تلك المخاطر فحديث تركيا عن تشكيل جيش وطني ثوري واحد يضم جميع مقاتلي هذه الفصائل، على أن تتم  تسميته لاحقا، يرتبط مباشرة بالحكومة المؤقتة التي من المنتظر الإعلان عنها في مرحلة ما بعد مفاوضات الأستانة والمفاوضات التي من المرجح انعقادها خلال الشهر المقبل استكمالا لمفاوضات جنيف التي رعتها الأمم المتحدة بمشاركة كل من الولايات المتحدة وروسيا، لعل ما أشيع عن تفاهم روسي تركي يقضي بالسماح لجيش النظام دخول مدينة الباب فخا لاستدراج فصائل المعارضة المسلحة للتنسيق معه عبر خلق أمر واقع. وقد ذهبت تركيا بعيدا في تلميحاتها الترغيبية بطرحها، خلال نقاشات أنقرة مع الفصائل الثورية المشاركة، تسليم معبر باب الهوى شمال غربي ادلب إلى الحكومة المؤقتة بعد الإعلان عنها. وثالث تلك المخاطر قيام الدول الراعية للمؤتمر بوضع الوثيقة الختامية للمؤتمر وعرضها على وفدي النظام والمعارضة والعمل على تمريرها عبر الضغط على الطرف الرافض. وأما رابع هذه المخاطر فالحديث عن توسيع وفد المعارضة الى جنيف ودعوة ممثلين عن منصات القاهرة وموسكو وأستانة للاشتراك فيه. ولن يكون آخر تلك المخاطر ما أعلنه محمد الشامي لوكالة الأنباء الألمانية "عن وصول تسريبات إليهم عن وجود اتفاق تركي ­ روسي يدور حول عملية انتقال سياسي دون المساس بشخص رئيس النظام بشار الأسد، في اتفاق روسي تركي صرف لم يعرض على الفصائل".

تبقى المشكلة في مدى حرية وفد المعارضة وقدرته على التصرف المستقل والتقاطه لجوهر مهمته وتركيزه على ما يحقق مطالب السوريين في الحرية والكرامة، وهو أمر دقيق وحيوي يُخشى أن لا يكون الوفد مؤهلا لالتقاطه من بين القضايا الكثيرة التي يدور الحديث حولها، ولنا في تعلقه بحبل واهن عنوانه "رغبة روسيا لعب دور ضامن وحيادي في المفاوضات" خير دليل، في تجاهل تام لمواقفها طوال مدة الصراع في سوريا وانخراطها المباشر في الصراع بطلب من إيران، وارتباط الإيحاءات الروسية في هذا المجال بتوجيه اللوم والنقد نحو إيران ومواقفها غير البناءة للضغط عليها لدفعها الى القبول بالتوجهات الروسية بعد بروز تباينات بين موقفيهما واحتمال تحرك إيران بعيدا عن التوجهات الروسية، ناهيك عما يُسرب من تحضيرات روسية لاستئناف الضربات العسكرية في حال فشلت محاولتها السياسية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024