وساطة عمانية بنكهة اميركية

حسن فحص

الأحد 2019/07/28
منذ اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع بين ايران ومجموعة دول 5+1 قبل نحو 15 شهرا، لم تشهد منطقة الشرق الاوسط ومياه الخليج هذا التصعيد المتزايد بين واشنطن وطهران الذي يسيطر على الاجواء في الشهرين الماضيين، والذي وضع المنطقة واستقرارها امام خطر اي شرارة عن طريق الخطأ قد تساهم في اشعال برميل البارود الذي تعيش عليه المنطقة، والتي قد لا تنفع معها تأكيدات جميع الاطراف المعنيين بالازمة حرصهم على رفض الحرب وعدم السعي لحصول اي مواجهة عسكرية. خصوصا في ظل الاجواء السلبية المسيطرة، على الاقل في العلن، والتي لا تسمح بتغليب التهدئة والتخفيف من حدة التوتر.
 

الذهاب الى امكانية اللجوء للخيار العسكري بدأت ملامحه بالتجمع والتبلور مع الاعتداء الاول الذي تعرضت له اربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة في الثاني عشر من شهر أيار مايو الماضي وعززه الاعتداء على الناقلة اليابانية في الثالث عشر من الشهر التالي حزيران يونيو، والذي بدأ منسوبه بالارتفاع بعد قيام الوحدة الصاروخية في قوات حرس الثورة باسقاط طائرة التجسس الاميركية المسيرة فوق مضيق هرمز، ولم يستطع قرار ترامب بالتخلي عن خيار الرد على ايران  في الحد من تفاقمه. وقد شكل قيام حرس الثورة الايرانية باحتجاز الناقلة البريطانية واقتيادها الى القاعدة العسكرية للحرس في بندر عباس قمة التحدي لخيار ترامب الرافض للحرب، لكنه شكل نقلة نوعية في اسلوب التعاطي مع التحديات والاستفزارات التي تقوم بها طهران في منطقة المضيق وبحر عمان، اذ رفعت وتيرة التحرك الاميركي لاعتماد خيار – وقد يكون الاخطر استراتيجيا بالنسبة لايران- تشكيل تحالف دولي بقياداتها يتولى مسؤولية تأمين امدادات الطاقة من مضيق هرمز بما يشبه سحب مهمة ادارة المضيق من النظام الايراني لصالح هذا التحالف من خلال المواكبة والمرافقة العسكرية البحرية لناقلات النفط والسفن التجارية من والى مياه الخليج. 

وعلى الرغم من الجدل الدائر بين واشنطن والعواصم الغربية الكبرى حول قيادة هذا التحالف وحجم الدور والمشاركة الاميركية فيه، خصوصا ما يتعلق بالاعباء الاقتصادية والمالية المتوجبة للقيام بهذه المهمة والتي فرضتها نتائج القرارات الاميركية ضد ايران، الا ان التلويح بتشكيل هذا التحالف والتحركات العملية في هذا الاطار، أثار واستنفر القيادة الايرانية بجميع مستوياتها السياسية والعسكرية مدفوعة بشحنة قومية دفاعاً عن المصالح الاستراتيجية والتاريخية لايران في ادارة هذا المضيق، اضافة الى ما يشكله هذا التحالف الدولي من تهديد لصادرات ايران النفطية والتجارية، ما قد يعني اكتمال دائرة العقوبات والخنق الاقتصادي للنظام. 

في خضم هذا التصعيد وارتفاع وتيرة المخاوف من حصول مواجهة عسكرية، تأتي زيارة وزير الشؤون الخارجية لسلطنة عمان يوسف بن علوي الى طهران، مختلفة في جوهرها عن الزيارة السابقة التي قام بها قبل أسابيع وعن الدور الذي قامت به من جهود للحد من التوتر بين طهران وواشنطن. فهي تأخذ بعداً اشمل يتجاوز طرفي الازمة الرئيسيين، وتتعداها الى محاولة فتح قنوات حوار وتفاهم بين طهران ولندن على خلفية أزمة ناقلتي النفط في مضيقي جبل طارق وهرمز، يساعده في ذلك الموقف الذي اعلنه رئيس الوزراء البريطاني الجديد  بوريس جونسون الذي اكد انه "لن يلجأ الى قرارات متسرعة في التعامل مع ايران"، ما يعطي لمهمة بن علوي فرصة النجاح في وضع الازمة بين البلدين على سكة الحل، مستفيدا من العلاقات المميزة التي تربط سلطنة عمان مع لندن وطهران. 

التحرك العماني باتجاه طهران والسعي لحل أزمتها مع العاصمة البريطانية، يأخذ بعدا امنيا واقتصاديا وسياسيا، نظرا لكون مسقط معنية مباشرة في اي تعديل دولي وعسكري يطال آلية التعامل مع مضيق هرمز وعبور امدادات الطاقة والسفن التجارية منه، اذ تعتبر عمان الدولة الوحيدة في منطقة الخليج التي تشترك مع ايران في تولي ادارة هذا المضيق. فرض ادارة دولية لهذا المعبر الاستراتيجي سيتسبب بازمات في علاقات مسقط مع طهران والدول المعنية بالجهود المبذولة لتشكيل التحالف الدولي، ومن الصعب عليها اعتماد خيار الذهاب الى القبول بهذا التحالف، الذي سيكون بمثابة التخلي عن دورها التاريخي الذي لعبته في نزع فتائل التوتر والتصعيد بين المجتمع الدولي وايران – تجربة الحوار الاميركي والايراني والتمهيد للاتفاق النووي- اضافة الى امكانية استعداء ما يؤدي الى انكفاء دورها في العديد من الملفات الاقليمية الاشكالية التي تعني ايران خصوصا ما يتعلق بامن الاقليم واسرائيل. من هنا لم يكن مستغربا ان تتمحور المحادثات التي اجراها بن علوي مع نظيره الايراني محمد جواد ظريف حول "الارهاب الاقتصادي الذي تقوم بها واشنطن والتطورات الاقليمية والامن في الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان". 

الوزير العماني كان واضحا في الموقف الذي نقله الى طهران وطبيعة المهمة التي يقوم بها، في كلامه مع امين المجلس الاعلى للامن القومي الايراني علي شمخاني، عندما ذكر المسؤول الايراني بضرورة العودة لاعتماد الطرق السابقة في حل الازمات بين ايران والمجتمع الدولي وقطع الطريق على تزايد التوتر في المنطقة والحد من الخطوات والاجراءات التي تؤثر سلبا على استقرار وامن المنطقة والتخلي النهائي عن امكانية اللجوء الى الوسائل العسكرية في حل الخلافات السياسية. 

مهمة بن علوي في طهران، وان كان العنوان الرئيس لها الازمة بين ايران وبريطانيا على خلفية احتجاز ناقلات النفط، الا انها لن تكون بعيدة عن السبب الاساس الذي يقف خلف التوتر الذي تشهده المنطقة، اي الازمة الاميركية الايرانية، خصوصا وان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو استبق زيارة نظيره العماني الى ايران باتصال هاتفي مع السلطان قابوس بن سعيد تركز حول "التهديدات الايرانية في المنطقة" حسب بيان وزارة الخارجية الاميركية، الا انه يكشف حجم الرهان الاميركي على امكانية ان تستعيد مسقط دورها في الوساطة بين الطرفين لتخفيف التوتر وامكانية ان تستطيع عمان اقناع طهران بالعودة الى طاولة المفاوضات، وابتكار آليات تعطيل  الشروط المتبادلة بين الطرفين بما يسمح بانطلاق قطار الحل. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024