بايدن في سوريا ولبنان

مهند الحاج علي

الجمعة 2020/11/20
يدور العديد من النقاشات حول التغيير المرتقب في السياسة الأميركية بالمنطقة بعد تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن، وهو نائب للرئيس السابق باراك أوباما وسيناتور لسنوات طويلة. بإنتظار اختيار الرئيس المنتخب فريقه في السياسة الخارجية، بالإمكان الاستناد الى ملاحظات أو خطوط أساسية سيكون لها تأثير خلال الفترة المقبلة. 

أولاً، سيتراجع الشرق الأوسط في قائمة أولويات الإدارة الأميركية المقبلة. ذاك أن المنطقة لعبت دوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية نتيجة استثمار إسرائيلي-عربي في الإدارة السابقة وصقل علاقات متينة معها. هذا لن يتواصل، بل من الواضح أن ما بدأه الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، من تراجع في المنطقة، سيُعاود حضوره خلال الفترة المقبلة. لا يعني ذلك انسحاباً أميركياً كاملاً، لكن الإدارة المقبلة لن تنشغل بحياكة عقوبات على ايران وحزب الله كل شهر أو حتى كل أسبوع، كما جرت العادة خلال السنتين الماضيتين. لكن ذلك قد يتغير في حال فرضت دولة فاشلة أو أزمة أو حرب نفسها على الأجندة الأميركية.

ثانياً، هناك سياسات عابرة للأحزاب، أشبه بعناوين عامة، مثل دعم الجيش اللبناني وفرع المعلومات، مواصلة الضغط على "حزب الله" ومحاولة احتوائه، الاستمرار في شرق سوريا، ولو ضمن أعداد صغيرة. الموقف من العملية السياسية في سوريا، والتمسك بمرحلة انتقالية، هذه السياسات ستستمر، وهذا واقع يتعايش معه بعض الساسة، مثل وزير الخارجية الحالي جبران باسيل.

ثالثاً، هناك العلاقة بإيران وبروسيا، كمؤثر مباشر في التعاطي مع الملفين السوري واللبناني. الإدارة المقبلة، رغم أنها أعلنت نيتها العودة إلى الاتفاق النووي مع الجانب الإيراني، ستُفاوض وستعمل بجد للوصول الى اتفاق أفضل. ذاك أن هناك متغيراً مهماً في السياسة الأميركية الداخلية، علينا أخذه في الاعتبار. لن يخرج الرئيس الحالي دونالد ترامب من البيت الأبيض الى اعتزال السياسة. الرجل مصمم على العودة للرئاسة من بوابة المظلومية التي صاغها، ومن خلال نقد سياسات الإدارة المقبلة وتبيان اخفاقاتها بشكل متواصل. لذا، من المتوقع أن تأخذ إدارة بايدن هذا النقد السياسي المتواصل واحتمالاته في الاعتبار، مع العودة للاتفاق الإيراني. 

بالنسبة للدور الروسي، سيكون لأي توتر بين واشنطن وموسكو انعكاس على السياسة الأميركية في لبنان على سبيل المثال، حيث هناك تنسيق بين روسيا وفرنسا لتطبيق المبادرة الفرنسية. المبادرة معنية ليس بدعم قوى الاحتجاج البديلة، بل بإعادة انتاج النخبة السياسية بشروط اقتصادية ومالية. لهذا قد نرى موقفاً مغايراً لإدارة بايدن، وتشدداً قد نرى فيه استمراراً لسياسة نبذ الطبقة السياسية. إدارة ترامب نبذت الطبقة السياسية اللبنانية وعزلتها بصفتها امتداداً لنفوذ "حزب الله". بايدن سيواصل السياسة ذاتها، حتى لو بحدة أقل وبعنوان آخر هو دعم الديموقراطية والقوى البديلة في لبنان. السياسة لن تختلف جذرياً، لكن العنوان مختلف وأقرب للمثل الأميركية ومقاربة الرئيس المنتخب وحزبه.

وأخيراً، نسمع مقتطفات عن "ندم" من الفريق الأوبامي في إدارة بايدن، ومنهم طوني بلينكن المرشح لأحد منصبي وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي. بلينكن يتحدث بوضوح عن ضرورة عدم تكرار أخطاء أوباما في سوريا. كما قد يكون ترامب أو الفريق الجمهوري الممثل له بالمرصاد لأي تلكؤ لإدارة بايدن في هذا المجال. لهذا السبب، من المتوقع أن لا تتساهل إدارة بايدن مع أي استئناف للقتال في سوريا. وهذا يتطلب دعماً لتركيا وتعاوناً معها في سوريا خلال الفترة المقبلة، لكن مع الحفاظ على توازن العلاقة بالأكراد.

في نهاية المطاف، لن تختلف السياسة الأميركية كثيراً. لم تعد العقوبات مهمة بالقدر ذاته، إذ استنزفها الرئيس ترامب لدرجة لم تعد معها فاعلة. إلا أن إدارة بايدن ستبني على أي فوائد حملتها السياسة الأميركية في العهد السابق، ولن تُسارع الى نقدها دون تفكير.

باختصار، قد لا يتغير الكثير العام المقبل، وقد يعي المنتظرون في المنطقة، ومنهم "حزب الله" وحلفاؤه وخصومه في لبنان، أن كثيراً من الوقت قد ضاع، ومعه فرص محلية لا تُعوض.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024