السلطة تروّج للأمن الذاتي

مهند الحاج علي

السبت 2019/11/09
في موازاة الثورة وحراكها المتواصل مناطقياً ومهنياً وطلابياً، تُسجَّل ملاحظتان على سلوك الطبقة السياسية اللبنانية برمتها. أولاً، من الواضح أن التفاهم أو الإتفاق بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" من جهة، وبين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري من جهة ثانية، هو أعمق من السياسة. لم تعد التبريرات السياسية وحدها كافية لتبرير تمسك هذين الطرفين المتحالفين بالحريري. صحيح أن الحزب والتيار يريدان الرجل، لأنه مقبول لدى المجتمع الدولي، أو أن وجوده يُوفر غطاء ما لـ"حزب الله" وحلفائه. لكن تمسك "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" بالحريري رئيساً للحكومة، وبهذه التركيبة برمتها، وهذا الدفاع الشرس عنها، يُؤشران إلى أن في هذا الحلف الثلاثي ما يتجاوز السياسة، وإلى وجود شبكة مصالح خفية وأعمق.

لهذا السبب، تمسك أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، بحكومة الحريري، ودافع عنها رغماً عن غضب الشارع، وعن الكلفة الشعبية المترتبة على ذلك. ولهذا السبب أيضاً، لن يكون طلاق هذه المرحلة سهلاً، حتى لو كان هناك قرار في هذا الشأن، ولو أن الغالبية البرلمانية الحالية تسمح بذلك. بكلام آخر، فضُّ هذه الشراكة ينطوي على خسائر كبيرة، ومن المفيد التدقيق أكثر فيها لفهم المرحلة الماضية.

ثانياً، ينحو أركان الطبقة الحاكمة والمسيطرة على البرلمان والحكومة المستقيلة، إلى حلول "غير سياسية" لإنقاذ أنفسهم، كما يظهر في تصريحاتهم، وأيضاً في تأجيلهم الاستحقاق الحكومي. والطبقة السياسية هنا تُفكر وتُخطط بعيداً من الأضواء، بل ترشح عنها دراسة التجارب القمعية خارج البلاد. على سبيل المثال، في الحالتين السورية والمصرية، لجأت السلطة إلى تسهيل انهيار أمني في البلاد من خلال فتح السجون وسحب القوى الأمنية من الشارع، لبث الخوف والذعر وثَني الناس عن الساحات.

في الحالة اللبنانية، وفي ظل الموقف الحالي للجيش، من الصعب سحب القوى الأمنية وحمايتها للمتظاهرين. لكن في المقابل، لدى السلطة علاقات بالمصارف ومعرفة بسرعة التدهور المالي الحاصل فيها، وهي تتجه الآن إلى فرض المزيد من القيود وإغلاق أبوابها لأيام اضافية كما حصل سابقاً. وفي الإمكان ركوب موجة الغضب لبث الفوضى والتلاعب بالأمن.

وهنا، يجب الالتفات الى أن السلطة، بمكوناتها الطائفية، ترى في تطييف الأمن والغذاء، خطاً أساسياً للدفاع عن مصالحها في وجه النقمة الشعبية الجامعة. هي ترى في الأمن الطائفي، سلاحاً ناجحاً في وجه الأزمة المعيشية. لكن قبل الوصول إليه، لا بد من تمهيد من خلال هندسة فوضى، وهذا ليس ناجزاً بعد، أي أن المسألة لم تدخل نطاق التنفيذ بعد.

لكن القادة السياسيين بدأوا، من خلال تصريحاتهم وسلوكياتهم، يؤشرون الى هذا المنحى. على سبيل المثال، وردت في تصريح النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، قبل يومين، دعوة لأنصاره ليكونوا "جاهزين ومستعدين في الساعات والأيام المقبلة لحماية صحتكم وأرضكم وبيئتكم وصون كرامتكم". ورغم أن الحديث عن تجمع النفايات وإغلاق الطرق، كان لافتاً أن السياسي الزغرتاوي طلب من الدولة أن "تقف على الحياد".

ومن هذا المنطلق، في إمكاننا قراءة دفاع الوزير السابق وليد جنبلاط عن "مقدسات الحزب التقدمي الاشتراكي" المتمثلة في نصب تذكاري على دوار بعقلين، يرمز "إلى التضحيات الهائلة أثناء الحرب الأهلية حفاظاً على الوجود". وبالتأكيد، من هذا المنطلق، علينا قراءة واستكمال تصريح حسن نصر الله في شأن "وقت لا تستطيع فيه الدولة اللبنانية أن تدفع رواتب وينهار الجيش والقوى الأمنية وإدارات الدولة ويخرب البلد، لكن أنا أؤكد لكم أن المقاومة ستظل قادرة على أن تدفع الرواتب". إذا خرب البلد وتوقفت رواتب الدولة، ستهبط وظيفة الأمن على الحزب وبقية المليشيات أيضاً. فهُم ما دون الدولة. جاؤوا من رحم الحرب والفوضى، والآن يريدون العودة إلى حيث ينتمون.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024