سوريا وهامش المناورة التركية

عائشة كربات

الأربعاء 2019/02/06

وقف العمل في اتفاق خفض الاسلحة النووية المتوسطة المدى، بين اميركا وروسيا، يمكن ان يثير القلق في العالم كله ، عدا تركيا التي قد تعتبره فرصة للحصول على مساحة اكبر للمناورة في السياسة الدولية، لا سيما في ما يخص المسألة السورية

بعد تعليق العمل بذلك الاتفاق الذي انهى الحرب الباردة ، ترتفع قيمة تركيا بالنسبة الى موسكو وواشنطن، نظرا لموقعها الجغرافي. وكما في زمن الحرب الباردة، فان تركيا، بوصفها دولة تقع على خط المواجهة، تأمل ان تستفيد من تلك الفرصة.

هذا الاسبوع ، وبينما كان وفد وزارة الدفاع التركية متجهاً الى موسكو حاملا ملف إدلب، كان وفد من وزارة الخارجية التركية في طريقه الى واشنطن، حاملا ملف المنطقة الامنية التي يفترض ان تنشأ شرقي الفرات. كلا الوفدين كان يحمل ايضا ملف منبج.

ويبدو ان انقرة وموسكو وواشنطن تتعامل مع القضية السورية شريحة شريحة، كما يبدو ان ثمة اتفاقا متبادلا على البدء في منبج.

تنتظر تركيا من واشنطن تنفيذ خريطة الطريق في منبج من قبل واشنطن والموقع في الرابع من حزيران الماضي. الاتفاق ينص على تسيير دوريات مشتركة تركية اميركية في منبج وانسحاب قوات سوريا الديموقراطية من هناك. لكن الولايات المتحدة التي تعتبر تلك القوات حليفها الافضل في القتال ضد داعش، تراوح مكانها. الدوريات المشتركة بدأت فقط بعدما هددت تركيا جديا بعملية عسكرية ضد تلك القوات التي لا تزال في المنطقة.

عندما اعلنت الولايات المتحدة انها ستنسحب من سوريا كانت هناك تقارير تشير الى ان النظام السوري بدأ درويات بالقرب من منبج بمساعدة الروس، لملء الفراغ المحتمل في المنطقة.

لكن، فورعودة الوفد التركي من موسكو هذا الاسبوع قال المتحدث بسم الرئاسة التركية ابراهيم قالين، ان الجانبين التركي والروسي اتفقا على تنفيذ خريطة الطريق الخاصة بمنبج بين تركيا واميركا، ما يعد تنازلا من جانب روسيا التي تريد عودة سيطرة النظام على المنطقة. الان الوفد الخارجية التركية ، مدعوما بتلك الرياح التي تهب من موسكو يطلب من واشنطن تنفيذ الاتفاق كاملا.

تعتقد تركيا ان النجاح في تنفيذ الاتفاق سيشكل صيغة جيدة لمقاربة المشكلات الاخرى في شرقي الفرات حيث تسيطر قوات سوريا الديموقراطية مع القوات الاميركية. في تلك المنطقة ، يفترض ان تنشأ منطقة آمنة، لكن لم يتضح الى  الان من سيسيطر عليها وما هي حدود تلك المنطقة. المفاوضات ما زالت مستمرة بين تركيا وادارة ترامب.

اقترح الاميركيون ان تسيطر على هذه المنطقة قوات مختلطة من الجيش الفرنسي وقوات عربية وقوات روج بيشمركا المدعومة من الزعيم الكردي العراقي مسعود برزاني، والمنافسة لقوات سوريا الديموقراطية. قدمت واشنطن هذا الاقتراح لكي تختبر تركيا ، لكن اردوغان الذي سيتوجه الى موسكو لعقد ثاني اجتماع هذا العام مع بوتين الاسبوع المقبل، لن يقبل بهذه الصيغة، وقال انه لا يثق باي قوات اخرى، وأن المنطقة يجب ان تكون تحت القيادة التركية .

تريد موسكو ان تقنع انقرة بعودة النظام السوري الى  الحدود بالرغم من انها تدرك ان تركيا تفضل خيار المنطقة الآمنة. لكن انقرة تدرك ايضا حقيقة ان موسكو تدعمها في مفاوضاتها مع اميركا وتقوي موقفها، وهي تحاول ان ترضي موسكو بتقديم تنازلات اخرى مثل فتح اتصالات متدنية المستوى مع النظام السوري. وقد قال اردوغان ان العداء مع النظام لا يمنع التواصل، وهو ما يساهم في خدمة موسكو التي تعمل على توفير الشرعية للنظام. وحسب هذا المنطق لا تتردد انقرة في مناقشة عملية مشتركة ضد ادلب تستهدف مصادر القلق الروسي.

لعل هذه الخطوة لن تتخذ لكن يبدو ان المزيد من الاجراءات الوقائية ضد هيئة تحرير الشام هي على جدول الاعمال.

حتى الان يبدو ان انقرة تتمتع بمساحة مناورة بين موسكو ووشانطن، لكن السؤال هو عما اذا كان لديها خطة بديلة في حال تم التفاهم بين القوتين العظميين، وما اذا كانت قادرة على كسب صداقة الناس على الارض السورية، فمثل هذه الصداقة هي السبيل الوحيد لحماية المصالح التركية على المدى البعيد.

 

 

 

 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024