الصحة لـ"حزب الله"؟

مهند الحاج علي

الجمعة 2018/08/10

في إطار الحراك السياسي المتجدد من أجل تشكيل حكومة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، بات الحديث عن استلام "حزب الله" وزارة الصحة، متكرراً، رغم التحفظات الدولية على ذلك. في حال صحت هذه الأنباء، ستكون هذه الوزارة أبرز حقيبة تولاها الحزب منذ دخوله المعترك الحكومي بعد الإنسحاب السوري من لبنان عام 2005. مثل هذه الخطوة تفتح الباب أمام البحث في مسألتين، الأولى قدرة الحزب على التميّز في حقيبة مهمة، والثانية انعكاسات وضعه الدولي والعقوبات عليها.

بداية، لم يُثبت "حزب الله" خلال السنوات الـ13 الماضية اختلافه عن بقية مكونات الطبقة السياسية اللبنانية، في أدائه الحكومي. في وزارات تسلمها من الصناعة إلى الزراعة، وهي قطاعات مهمة في البلاد، ليست هناك نتيجة تُذكر، لا بل هناك ملاحظات على أدائه سمعنا بها خلال الانتخابات البرلمانية الماضية. تخيلوا أننا لم نسمع أي حديث عن "إنجازات" حكومية للحزب خلال حملاته الانتخابية، بل سمعنا وشاهدنا حديثاً سياسياً بامتياز فيه كل العدة المُعتادة للحزب، مثل التخوين والتحذير من السقوط في فخ الأعداء وخيانة الشهداء في حال انتصار المرشح الآخر وغير ذلك.

لكن الحزب وعد بتغيير هذه المرة، لذا من الضروري أن نسأل كيف سيتميّز "حزب الله" في وزارة الصحة؟ وهذه وزارة أساسية تقترب موازنتها من مبلغ نصف مليار دولار أميركي. ولو افترضنا أن النية بالانخراط الإيجابي صحيحة، فإن هناك احتمالين راجحين.

الأول هو أن يُكرر الحزب بعض تجربته في "الهيئة الصحية الإسلامية"، أي زيادة نطاق التغطية الطبية وتحسين مستوى الخدمات المتوافرة في القطاع الخاص. ذاك أن مستشفى الرسول الأعظم، وهو نجاح أساسي يُحتسب للحزب في قطاع الخدمات، ليس مجانياً، بل خاصاً. وهناك أمثلة عديدة مأسوية تتسرب منه، وتتشابه مع ما نسمعه عن مستشفيات متوحشة في مقاربتها الربحية الخالصة في معالجة المرضى. حتى أن زميلاً في صحيفة موالية لحزب الله وناطقة بإسمه، لم يستطع ادخال والدته المريضة الى المستشفى لمعالجتها من حالة طارئة دون دفع مبلغ أولي. مع ذلك، يبقى أن مستوى الخدمة الطبية المتوافرة في المستشفى، باتت عالية المستوى، سيما في قسم أمراض القلب، وبات مضرب مثل على امكانات نجاح لم يكررها الحزب في مجالات أخرى. ومن المحتمل أن مستوى خدماته ارتفع نتيجة توازن مصلحة الخدمات المدفوعة والأرباح المتأتية منها.

لكن هناك اشكالية تكمن في تضارب المصالح، إذ أن هناك حزباً يملك شبكة صحية كاملة سيتولى وزارة تُنافسها وتُزاحمها في بعض المناطق. كيف سيُقارب الحزب هذه الإشكالية. هذه مثار قلق.

الاحتمال الثاني يقضي بالاستثمار في المستشفيات الحكومية، لأن الكلفة الباهظة للاستشفاء في القطاع الخاص تُثقل موازنة الوزارة، وهي ليست بالهينة. بيد أن أكثر من 80 بالمئة من أسرة المستشفيات تعود للقطاع الخاص. شركات التأمين الصحي الخاصة تُغطي كلفة الاستشفاء لأقل من 20 بالمئة من المرضى. الغالبية الساحقة من المرضى يتلقون الخدمة الصحية على حساب الضمان الاجتماعي أو وزارة الصحة. وهذه الأرقام تقودنا الى حوار مماثل لذاك الحاصل في ملف الكهرباء. لماذا ندفع فواتير باهظة للمستشفيات الخاصة، بدلاً من الاستثمار في بناء مستشفيات حكومية، وفي فروع كلية الطب في الجامعة اللبنانية؟

لو استثمر وزير "حزب الله" في هذا القطاع لرفع نطاق تغطية وزارة الصحة، وأيضاً في تشجيع صناعات الأدوية محلياً لخفض كلفتها مستوردة، فإن هناك تغيراً شاملاً يلوح في الأفق.

يبقى أن المشكلة الأساسية أمام تسلم الحزب هذه الوزارة وغيرها، تكمن في المقاطعة الدولية لهذا القطاع. هناك ما يُقارب المئة مليون دولار من المساعدات للبنان في هذا القطاع (80 مليوناً من الاتحاد الأوروبي فقط)، وأيضاً دعم أممي لأكثر من 83 ألف مريض من مجموع اللاجئين السوريين. ماذا سيحل بهذه المساعدات لو استلم الحزب المدرج بفرعه العسكري على الأقل على قوائم الارهاب، هذه الحقيبة؟ بغض النظر عن خطط أي وزير جديد، الأرجح أن تحدياً دولياً سيُضاف الى ملفاته المثقلة بالمتاعب.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024