الامارات تدفع الجزية لتركيا

ساطع نور الدين

الخميس 2021/11/25

هو أشبه ما يكون بإعلان لوقف إطلاق النار بين دولتين متحاربتين، يفرض على إحداهما دفع جزية، وليس إتفاقاً للتعاون الاقتصادي والدخول في حقبة السلام بصندوق إستثماري ضخم تبلغ قيمته 10 مليارات دولار أميركي.

هذا هو الانطباع الاول الذي تتركه زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الى تركيا ولقاؤه الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي سبق ان خاض معه الكثير من المواجهات العسكرية والامنية والاستخباراتية طوال السنوات العشر الماضية، وتبادل معه التهديدات، وحتى الإهانات، السياسية منها والشخصية.

لم تكن الزيارة مفاجئة تماماً. مهدت لها أبو ظبي، بالكثير من الزيارات والرسائل   التي سعت الى إزالة إسم دولة الامارات عن لائحة الدول المحركة للثورات المضادة في العالم العربي، وتلك التي تتهم تركيا، بأنها قلعة إسلامية ليس إلا، تمول وتسلح وترعى جماعة الاخوان المسلمين وغيرها من الحركات الاسلامية التي تشارك في قتال أو رفض غالبية الانظمة العربية.

لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت زيارة بن زايد تعني أن الامارات قد تراجعت فعلا عن دورها في تحريض الثورات العربية المضادة، وإكتشفت متأخرة أن تركيا بزعامة أردوغان وحزبه تحديداً، هي دولة قومية تحركها العصبية الوطنية، وتحفزها أرقام التجارة والاقتصاد والاعمال، أكثر مما يثيرها مشروع سياسي إسلامي، ليس له أفق عربي واسع، وليس له أثر عميق في تركيا نفسها. البيانات الصادرة عن الجانبين التركي والاماراتي، في اعقاب الزيارة لم تقارب السياسة ولا ملفاتها المعقدة، لاسيما منها تلك التي كانت(وربما لا تزال) بمثابة جبهات حرب بين البلدين، من سوريا الى ليبيا الى تونس الى العراق..مرورا طبعا بمصر التي تسير اليوم على نهج الامارات، ولو بقدر أقل من الحماسة والنكران.

الجزية البالغة عشرة مليارات دولار ، هي ربما ثمن الإتفاق على وقف القتال، وهي مؤشر أيضاً الى الكفة التي رجحت في النهاية، وساهمت كما يبدو في طي الملف الحساس جداً في العلاقات بين الدولتين، وهو الاتهام الرسمي التركي للامارات بالتورط في محاولة الانقلاب على أردوغان في صيف العام 2016، والذي إشتعلت بعده مختلف جبهات القتال في الاقليم.

إشترت الامارات الصفح التركي عن تجربة السنوات العشر الماضية. لكن اردوغان قبض الثمن. هو لم ينتظر إنجاز صفقة التسوية في ليبيا على الاقل، والتي لا تزال محكومة بمصير ونتيجة الانتخابات الرئاسية الليبية المقررة الشهر المقبل. ولم يناهض قبل ذلك مسار التطبيع الاماراتي مع العدو الاسرائيلي الذي بلغ مستويات باتت محرجة لدولتي التطبيع الاول، مصر والاردن. صدرت يومها بيانات رسمية تركية تحذر من مخاطر هذا المسار على القضية الفلسطينية، لكنها نُسيت في اليوم التالي، في بلد سبّاقٍ في العلاقات مع إسرائيل.

أما الملف السوري، الذي لم تذكره أيضا البيانات الرسمية التركية والاماراتية، فإنه كان وسيبقى واحداً من أعقد وأغرب الملفات، ليس بين الدولتين اللتين تمضيان في وجهتين متناقضتين، بل بين مختلف دول العالم المعنية به. لكن لا يمكن أن تنتقد تركيا إذا كانت تصالح الامارات التي تسير بسرعة نحو التطبيع مع نظام الاسد، الذي لا تزال أنقرة تناهضه. فهذا شأنها أيضا مع روسيا وإيران اللتين تتقاسم معهما أكثر من مسار تفاوضي سوري، وتقيم معهما حواراً ثلاثياً، وتتقاسم معهما الوجود والنفوذ على الاراضي السورية.

هي قمة الواقعية السياسية،الامارتية والتركية، المحصنة بالجزية السخية، التي تضمن على الاقل ألا يتجدد إطلاق النار بين البلدين. الفرص الاستثمارية في تركيا متعددة، ومنافسة للفرص المتاحة للامارات في أميركا او أوروبا الغربية، لكنها ليست بقدر الفرص السياسية المحدودة، المتوافرة لبلدين خاضا صراعاً مريراً إكتسب في بعض الأحيان طابعاً أيديولوجياً..ثبت اليوم أنه بلا أساس.   

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024