بوتين "بطل" إسرائيل الجديد

بسام مقداد

الأربعاء 2019/08/07

في سياق حملته الإنتخابية الحالية ، قام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بتعليق صورة ضخمة وهو يصافح بحرارة الرئيس الروسي بوتين ، وتغطي أكثر من نصف واجهة المركز الرئيسي لحزب الليكود في تل أبيب. وتذيل الصورة عبارة بالعبرية "نتنياهو . في صحبة أخرى" (Netanyahu. In another league) ، في إشارة إلى أن رئيس وزراء الدولة العبرية يدخل في نادي أكثر زعماء العالم المعاصر نفوذاً . ومع أن الصورة تجاورت مع صورتين أخريين لرئيس الوزراء وهو يصافح كلاً من الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الهندي ، إلا أن موجة النقاش العاصف ، الذي انطلق في إسرائيل إثر ذلك، خاصة في "الشارع الروسي"، تمحور حول صورة بوتين بالذات . 

في تعليق له على الصورة تحت عنوان "بوتين فوق إسرائيل" ، يتساءل موقع " MIGnews "الإسرائيلي الناطق بالروسية إلى من تتوجه الصورة مع بوتين ، وفي موسكو يتم في هذه الأثناء اعتقال حوالي 1500 مشارك في الإحتجاجات من أجل انتخابات حرة؟ إن الكثيرين من المهاجرين من روسيا يعتبرون بوتين ديكتاتوراً نصّبته الKGB ، وبين الناطقين بالروسية من الإسرائيليين نسبة ضخمة من الروس، الذين تركوا روسيا لعدم توافقهم مع النظام ، ومن أوكرانيا وجورجيا، اللتين تعرضتا للعدوان الروسي.. أم أن الصورة ، حسب الموقع ، قد تكون موجهة لكبار السن من المهاجرين الروس ، الذين لا زالوا يتلقون معاشات تقاعدية من روسيا وعليهم أن يكونوا شاكرين لها . 

 وبعد أن يسهب الموقع في تخميناته إلى من تتوجه الصورة ، يتساءل ما إن كان الإسرائيليون فعلاً يحترمون بوتين إلى هذا الحد. ويقول أن الرجل ، بالنسبة للبعض في إسرائيل ، هو الزعيم ، الذي قضى على "الدولة الإسلامية في سوريا ، ويلجم آيات الله في إيران ، ولا يمانع في قيام إسرائيل بقصف الأهداف الإيرانية في سوريا. هو كذلك من أعاد رفات العسكري زاخاريا باوملي إلى إسرائيل، ومعه  ينبغي التوافق على التسوية في سوريا، وليس مع ترامب. وهو يتصرف في السياسة الخارجية كما يرغب، دون أن ينحني أمام الأمم المتحدة واوروبا والولايات المتحدة، ولا يخشى العقوبات ومستعد للقضاء على الإرهابيين أينما وجدوا. وهو يجسد، بالنسبة للإسرائيليين ، الحنين إلى اليد القوية والحاكم غير المتردد، الذي كان بوسعه أن يعالج عقدة القضية الفلسطينية ، التي يشتد خناقها حول العنق الإسرائيلي دون أمل في انفراجها.

موقع إسرائيلي آخر ناطق بالروسية "Detaly" نقل عن كاتب سياسي روسي ــــ إسرئيلي ما يشبه النداء إلى نتنياهو "بيبي ، لماذا يعجبك بوتين إلى هذا الحد؟" . يقول هذا الكاتب أن الصورة ليست موجهة للشارع الروسي ، بل هي موجهة إلى أولئك ، الذين لم يكونوا يوماً في روسيا ، ولا يعرفونها ، بل لا يرغبون في معرفة ماذا يمثل لها بوتين والمحيطين به ، وما يفعله بمواطنيه . وهؤلاء الذين يصيحون "بيبي ـــــ ملك إسرائيل" يؤمنون كلياً ، بأن أي ليبرالية واحترام حقوق الإنسان ليس سوى مظهر ضعف ، في حين أن سحق المعارضين وتخطي القانون والدوس على كل القواعد والمعايير هو مظهر قوة ، طالما أنها ليست موجهة ضدهم.  

وينقل الكاتب عن مهاجر روسي جديد إلى إسرائيل قوله ، بأن نتنياهو وتحالفه ، وكما في موسكو، يحاولون تغيير النظام السياسي في إسرائيل ، لكي يبقوا أكثر مدة ممكنة في السلطة ، ويحظوا بتأييد كثيرين من الإسرائيليين في محاولاتهم هذه . ويرى هذا المهاجر أن المهاجرين الروس الجدد يدركون مدى خطورة هذا الأمر بالنسبة للجميع ، بغض النظر عن قناعاتهم السياسية، وعلى هؤلاء المهاجرين أن يظهروا للإسرائيليين حجم هذه المخاطر. 

ويرى هذا الكاتب ، ان "الصحبة" ، التي تتحدث عنها الصورة ، ليست صحبة أخرى ، وليست الأولى ولا الثانية ، بل هي الثالثة ، على غرار "العالم الثالث" ذاك ، الذي يحكمه الديكتاتوريون .  في هذه "الصحبة" بالذات تلعب اليوم روسيا البوتينية ، التي تتجاور فيها خطط التحليق إلى القمر مع خطط الإنسحاب من شبكة الإنترنت العالمية ، وتشغل المرتبة 138 في قائمة مؤشر الفساد ، وتُسحق فيها أجهزة الإعلام والمحاكم ومؤسسات المجتمع المدني . إنها صحبة أخرى ، فعلاً ، " ولا قدر الله لنا جميعاً ، أن نكون ضمنها ، بمن فيهم أولئك الذين يرددون "لو كان لدينا بوتين" ". 

ويعتبر الكاتب أن الصورة هي بمثابة رد على أنصار الليكود ، الذين يؤكدون أن نتنياهو يذهب إلى موسكو مكرهاً ، كما يذهب إلى العمل ، تسوقه ضرورات العمل الحكومي ، وإلا لما كان ، وهو الديموقراطي الحقيقي والليبرالي، ليمد يده لمصافحة بوتين . ويرفض الكاتب هذه المزاعم ، ويقول بأن من الصعب تصديق القول ، أن بوتين قد أكره رئيس "الليكود" على مثل هذا السلوك. 

أما موقع "News.ru" الروسي ، فينقل في طبعته الإسرائيلية عن باحثة في القسم الإسرائيلي من معهد الإستشراق في موسكو قولها في تعليقها على الصورة ، بأن نتنياهو يحاول بشتى الطرق استخدام صلاته الخارجية لتعزيز مواقعه داخل إسرائيل . وتقول بأن ثمة في إسرائيل من ينتقد علاقات نتنياهو مع الولايات المتحدة ، وآخرون يشككون في ضرورة علاقاته مع روسيا ، لكن هذه العلاقات هي ورقة رابحة بيد نتنياهو في الإنتخابات الحالية . وهي ترى ، أن ليس في صفوف المعارضة الإسرائيلية شخصيات تتمتع بالثقة والشعبية ، التي يتمتع بهما نتنياهو لدى الإسرائيليين . 


وفي تعليق لها على الصورة المذكورة بعنوان " كيف جعل نتنياهو بوتين بطل إسرائيل الجديد" ، تقول صحيفة "SP" الروسية ، أن الكل يجمعون على أن نتنياهو يحاول الحصول على أكبر عدد ممكن من أصوات الإسرائيليين الناطقين بالروسية ، والذين لم يحصد منهم في انتخابات نيسان الماضية سوى 150 الف صوت فقط . وتؤكد أن نتنياهو يبقى بعيداً عن أفيغدور ليبرمان ، الذي يركز منذ زمن بعيد على أصوات الناطقين بالروسية . وتقول بأن ثمة أيضاً بني غانتس ، الذي أخذ في الفترة الأخيرة يركز على الناخبين المتدينيين ، الذين يضمون في صفوفهم الكثيرين من الناطقين بالروسية . 

وتنقل الصحيفة عن مستشرقة روسية قولها ، بأن لدى نتنياهو أسباباً عديدة لتعليق مثل هذه الصورة، التي غطت أكثر من خمس طبقات من واجهة مقر الليكود ، فهو يبحث عن الدعم وسط جميع الناخبين الإسرائيليين ، بمن فيهم الناطقون بالروسية . وترى هذه المستشرقة أن نتنياهو قد يكون يريد من الصورة توجيه رسالة إلى الفلسطينيين ، بأن عليهم أن يدركوا بأنه ليس لديهم أي أمل في تحقيق تقدم ملموس في مصالحهم من خلال موسكو ، التي تصادق إسرائيل أيضاً . 

يختتم موقع "MIGnews" المذكور تعليقه على الصورة بنصيحة أولئك ، الذين لا تعجبهم رؤية صورة الديكتاتور الروسي فوق تل أبيب بأن يتحلوا بالصبر ، أو يتحولوا ببصرهم عنها . لكنه يستغرب كيف أن نتنياهو ومناصريه لم يفهموا بعد أن أية صداقة مع روسيا مستحيلة ، وأن بوتين لا يتوخى سوى مصالحه فقط ، "حتى لو ألصقت صوره في كافة أنحاء إسرائيل" .



 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024