بسبب لبنان: علاء مبارك ضد أبيه

شادي لويس

الثلاثاء 2019/10/22
لم يكن أحد يتوقع قبل أسابيع قليلة، أن الاحتجاجات المشتعلة في السودان والجزائر، ستمتد إلى كل أنحاء العراق، بالشعار التونسي الأول نفسه، بغضب يتجاوز التقسيمات الطائفية وتاريخ مريع من العنف الأهلي والاحتلال، وأن تعود التظاهرات مرة أخرى إلى المدن المصرية رغم القبضة الأمنية الخانقة، ولا أن تندلع الاحتجاجات الكاسحة في أنحاء لبنان، لتنادي بإسقاط النظام أيضاً.

بعد أيام قليلة فقط من بدء الاحتجاجات، نال الحراك اللبناني الكثير من التغطية الإعلامية، ومعها انتقلت رسائل التضامن مع الجيران السوريين، وارتفعت الأغاني والهتافات التي سمعناها في ثورتهم، ونال النظام الأسدي من اللعن ما نالته النخبة الحاكمة اللبنانية. للسودانيين رفعت شعارات التحية والامتنان "يسقط بس"، وتبادل الجزائريون واللبنانيين في ميادين احتجاجهم رسائل التضامن من بُعد، فلسطين دائما حاضرة، العامل المشترك بين كل الهبّات الشعبية في المنطقة. لحق بالسيسي الكثير من المهانة من ألسنة المتظاهرين اللبنانيين الطويلة، ورفعت صور ماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح في بيروت، وأسماء هيثم محمدين وإسراء عبد الفتاح، وغيرهم من النشطاء في السجون المصرية. في كل هذا تبدت الإرادة الواعية بأن يكون الحراك اللبناني جزءاً من كل، لا يكتفي بتخطي الحدود الطائفية المحلية، بل والحدود الوطنية أيضاً.

في مصر، يقابل جمهور الثورة، الصورة المنقولة من لبنان بسعادة حذرة، قليل من الغبطة وقليل من الحسد، وفي الأغلب بترقب مشوب بتشاؤم مفرط يستدعي بالضرورة الشفقة على اللبنانيين. في الناحية الأخرى، يتداول البعض صوراً للمتظاهرات اللبنانيات، مع تعليق مثل "متتجوزوش يا جماعة لبنان مولعة وشكلهم جايين مصر". ويغرد الملياردير المصري، نجيب ساويرس، في "تويتر":  قاعد بتفرج على مظاهرات لبنان، أول ما حسيت مراتي دخلت حولت على حرب اليمن". وبعدها يصل نجل الرئيس المصري السابق، علاء مبارك، بالمزحة السمجة إلى أقصاها: "الناس دي لو كان نزل زيهم عندنا في 25 يناير، كان علاء وجمال نفسهم نزلوا الميدان يهتفوا ضد أبوهم".

كانت تلك التعليقات قد أثارت غضباً في وسائل التواصل الاجتماعي المصرية، خصوصاً أنها تكرار للتعليقات على الاحتجاجات اللبنانية في 2015، وكان النقد موجهاً في الأساس إلى المنطق الذكوري الذي تتضمنه. لكن الأمر يتجاوز التنميطات الجاهزة عن لبنان ونسائه، أو تشييء المتظاهرات وتحويلهن موضوعاً للفرجة. ففي داخل كل من تلك التعليقات، بخس ضمني لفكرة الاحتجاج عموماً، ولما يحدث في لبنان على وجه التحديد. فالتظاهرات لن تقود إلا أن "تولع" لبنان، وبالتبعية تصبح نساؤها لاجئات. تحمل المزحة تحذيراً مريعاً للمصريين، وتشير بشكل ضمني للكارثة السورية (كانت نكات من هذا النوع قيلت في سياق اللجوء السوري).

في تغريدة ساويرس، تحضر المأساة اليمنية مباشرة، لا ضمناً هذه المرة. المقارنة بينها وبين تظاهرات لبنان هي المضمرة. فكلاهما ينتمي لمجال مختلف من المشاهدة والأحداث والمحتوى. وكما يربط مصير اللجوء اللبنانيين بالسوريين، ويفرق بين اليمنيين في حربهم واللبنانيات في تظاهراتهم، تأتي تغريدة علاء مبارك لتأكيد تلك المقارنات. فالمتظاهرون اللبنانيين قطعاً من صنف آخر غير المتظاهرين المصريين ضد مبارك، يداً بيد يذهب تحقير متظاهري يناير مع تسفيه التظاهرات اللبنانية، فهي بالضرورة لا تشكل تهديداً، إلى حد أن ينزل علاء وجمال فيها ضد أبيهما. فبالإضافة إلى تصوير الاحتجاجات كتهديد بالعنف وانفلات الأمور بشكل عام، فإن التظاهرات اللبنانية يتم وصمها أيضاً بطرق أخرى، هي خليط من تسفيه الحضور النسائي "المغوي" وتبرم غير مباشر من "انحلاله". ولا يتعلق الأمر فقط بهيئة المتظاهرات، بل أيضاً بالفكرة المتصورة عن الوزن الصغير نسبياً للبنان، فثورة بلد الفيديو كليب، لا يهم فيها شيء سوى نسائها بالتأكيد!

تحمل تلك النكات مضموناً مضاداً لرسائل التضامن التي ترسلها الميادين اللبنانية، سخرية معكوسة لهتافات اللبنانيين الهازئة من النظام المصري. لكن، رغم التسفيه والتحقير والترويع، فإن تلك التعليقات تقر بشكل ضمني بتلك الصلة بين ما يحدث في لبنان وبين ما يحدث في كل مكان آخر في الوطن العربي، وبين الموجة الحالية من الاحتجاجات وبين مثيلتها قبل ثماني سنوات، مؤكدة من دون أن يدرى أصحابها، وحدة الميادين ومصيرها المشترك. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024