المخابرات الروسية تتذكر لبنان..وتحرير الدبلوماسيين السوفيات

بسام مقداد

الإثنين 2020/12/28
تحتفل موسكو هذه الأيام بمئوية جهاز مخابراتها الخارجية ، الذي تأسس في 20 كانون الأول 1920 على يد فيليكس دزيرجنسكي ، أول قائد للمخابرات السوفياتية ، الذي كان يعرف آنذاك بإسم "التشيكا" (Cheka ، "اللجنة الإستثنائية" للدفاع عن الثورة) . ولم تقتصد مواقع الإعلام الرسمي الروسي في إطلاق نعوت المديح لهذا الجهاز : "ميلاد الأسطورة" ، "كيف تعمل أكثر المخابرات سرية في العالم" ، وعن رئيسها سيرغي ناريشكين "رجل المخابرات الأول في البلاد" ، وسواها من النعوت . وفي سردها لتاريخ هذا الجهاز  وأشهر عملياته خارج روسيا ، تتذكر هذه المواقع عملية تحرير الدبلوماسيين السوفيات الأربعة ، الذين اختطفوا في لبنان العام 1985.

في النص ، الذي نشرته نوفوستي بمناسبة مئوية الجهاز في 20 من الشهر الجاري ، قالت ، بأن رجال المخابرات ، وفي فترات مختلفة من تاريخ الجهاز ، قاموا بمئات العمليات السرية ، التي ترك الكثير منها تأثيره على مصائر بلدان عديدة ، وتحدثت عن بعض هذه العمليات ، ومن ضمنها العملية في لبنان . وفي تقديمها للنص ، الذي كان بعنوان "الجبهة السرية . كيف تعمل أكثر المخابرات سرية في العالم" ، تحدثت الوكالة عن تطور الجهاز ، وكيف تبدلت تسمياته حسب الهيئات ، التي كان ينضوي تحت لوائها. وتقول ، أنه في الحقبة السوفياتية ، كان يعمل لدى كل ممثلية دبلوماسية وتجارية رجل مخابرات وعدد من المساعدين . وفي البلدان ، التي لم يكن من علاقات دبلوماسية معها ، كان رجال المخابرت المعتمدين يقيمون فيها بصورة غير شرعية. 

وتتحدث الوكالة عن دور المخابرات الخارجية في تمكين الإتحاد السوفياتي من إنتاج السلاح النووي ، وتزويد العلماء الروس بآخر منجزات العلوم والتكنولوجيا ، وتقول ، بأن المخابرات السوفياتية كانت تعمل في جميع أنحاء العالم ، وتجند العملاء للقيام بالمهمات المختلفة ، بما فيها مهمة تحرير الدبلوماسيين في لبنان العام 1985 . وإضافة إلى الموجز عن هذه العملية ، الذي تضمنه النص الراهن ، كانت الوكالة قد نشرت بمناسبة السنوية 35 لهذه العملية في نهاية تشرين الأول/أوكتوبر المنصرم نصاً مطولاً عن تفاصيل هذه العملية بعنوان "القوات الخاصة السوفياتية المثقفة : كيف أنقذوا الدبلوماسيين المختطفين في لبنان".
 

قالت نوفوستي في سنوية العملية في لبنان ، بأنه منذ 35 سنة مضت إنتهت واحدة من "العمليات المشرقة وغير العادية" في تاريخ المخابرات الخارجية الروسية ، التي تمكنت من تحرير الدبلوماسيين السوفيات ، الذين اختطفتهم إحدى المجموعات الراديكالية في بيروت . وعلى الرغم من أنه كان قد صدر في العام 2000  في موسكو كتاب "الإرهاب . بيروت ، أوكتوبر الحار" ، الذي من المفترض أن يكون قد تحدث بالتفصيل عن العملية ، سيما وأن مؤلفه يوري بريفليف كان عميل المخابرات الروسية في مقر بيروت والوجه الأبرز في العملية ، إلا أن نوفوستي تؤكد ، أنه منذ ثلاث سنوات فقط تم الكشف عن الدور المحوري للفصيل الخاص "Vimpel" في KGB السوفياتية في تحرير الدبلوماسيين ، وليس عن طريق المفاوضات ، كما كان شائعاً.

ولجمع المعلومات عن منظمي عملية خطف الدبلوماسيين "الجريئة" وأهدافها ومكان وجود المخطوفين ، جرى على الفور إستنفار جميع إمكانيات الإجهزة السوفياتية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. وبسرعة تمكن رجال المخابرات من أن يحددوا ، أن من خطف الدبلوماسيين هي  مجموعة "قوات خالد بن الوليد" ، التي كان يتزعمها عماد مغنية الملقب بالضبع ، وهو الحارس الشخصي لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات . كما تم تحديد حزب الله ، بأنه من يقف وراء "قوات خالد بن الوليد" ووراء العملية مباشرة . وتبين ، أن عملية الخطف لم تكن موجهة ضد الإتحاد السوفياتي مباشرة ، بل كان الإرهابيون يطلبون من موسكو الضغط على سوريا لوقف العمليات العسكرية ضد مخيمات الفلسطينيين وفصائل المنظمات الراديكالية الإسلامية في شمال لبنان، حسب الوكالة.

تقول الوكالة ، أن ما حدث لاحقاً ، تحدث عنه فيلم وثائقي عرضته منذ ثلاث سنوات مضت قناة التلفزة الروسية "zvezda" ، التي تشرف عليها وزارة الدفاع الروسية . لكن تفاصيل العملية ، التي قامت بها القوات الخاصة "Vimpel" في تشرين الأول/أوكتوبر 1985 تبقى "سر دولة" حتى يومنا هذا . يقول الفيلم المذكور ، بأنه "لم يلحظ أحد" ظهور مقاتلي القوات الخاصة في بيروت ، إلا أنه بدأت تحدث "أمور غريبة" منذ تلك اللحظة ، حيث "استيقظ" ياسر عرفات ، و"اصبح يعلم" أين يجب البحث عن الدبلوماسيين ، بعد أن كان قد تجاهل الأمر قبل ذلك ، حين طلب منه المساعدة عميل المخابرات الروسي يوري بريفليف ، مؤلف الكتاب المذكور.

تنقل الوكالة عن الفيلم قوله ، بأنه حين أدرك رجال المخابرات السوفيات ، أن إستخدام القوة لتحرير المخطوفين مستحيل دون المخاطرة بحياتهم ، جرى ضم بسيكولوجيي "Vimpel" إلى العملية ، وبدأ البحث عن الشخصية المتنفذة في قيادة الخاطفين ، الذي لن يتمكن عماد مغنية من رفض طلبه إطلاق سراح الدبلوماسيين . وتبين أن هذه الشخصية هو الشيخ(السيد) محمد حسين فضل الله ، الذي وافقت موسكو على لقاء يوري بريفيليف به ، والذي لم يكن ، حتى ذلك الحين ،  قد قابل أحداً من ممثلي الدول الأجنبية ، وكان يسكن في تلك المنطقة من بيروت ، التي كان الأجانب يتحاشون الظهور فيها.
 

ويتذكر برفيليف ، أنه في حديثه مع فضل الله قال ، بأن الدبلوماسيين المخطوفين يمثلون دولة صديقة للعرب ، وأن "هذه المأساة" لن تغير سياسة الدولة العظمى الإتحاد السوفياتي ، الذي يدرك ، أن الخاطفين والمسؤلين عنهم قد ارتكبوا خطأً يتوقع منهم إصلاحه.

بعد ذلك ، أقدم برفيليف على "خطوة جريئة" ، لم يسمح أحد لنفسه أن يقدم عليها من قبل ، حسب الوكالة ، حيث قال لفضل الله ، بأن الإتحاد السوفياتي يقوم بمناورات على حدوده الجنوبية يطلق خلالها الصواريخ ، وأنه قد يحدث خطأُ أيضاً ، ويضل صاروخ طريقه بالصدفة ، ويقع على منطقة ما مهمة في الشرق الأوسط . بعد هذا التلميح "الشفاف جداً"، عبر برفيليف عن أمله في ألا تبلغ الأمور هذا الحد ، وأن الشيخ يدرك ذلك تماماً ، وأن سلطته سوف تساعد في إطلاق سراح المخطوفين.

في رده على "تلميح" برفيليف، قال فضل الله ، بأنه سوف يصلي من أجل المخطوفين ، وفي 30 تشرين الأول/أوكتوبر عاد إلى السفارة الدبلوماسيون الثلاثة المتبقين على قيد الحياة بعد مقتل رابعهم في بداية عملية الخطف ، ورمي جثته عند المدينة الرياضية . وغادر أعضاء فصيل "Vimpel" بيروت دون أن يلحظ أحد ذلك ، تماماً كما سبق أن وصلوها ونشطوا فيها ، حسب الوكالة.

وتنقل الوكالة في ختام نصها عن رئيس جمعية قدماء المحاربين في "Vimpel" قوله ، بأن ليس من الصدفة أن تُطلق على هذا الفصيل صفة "القوات الخاصة المثقفة ، وذلك لأنه لا يستخدم السلاح في تنفيذ مهماته ، بل يقوم بذلك من دون أن يدرك أحد ما الذي قد حصل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024