عن الاستخبارات الروسية في سوريا

مهند الحاج علي

الإثنين 2018/10/22

قبل شهرين، نشرت مواقع وصحف غربية تقريراً نقلاً عن موقع روسي، يشير إلى نشاط الاستخبارات العسكرية الروسية المعروفة بإسم "جي أر يو" في افريقيا وسوريا حيث تُشرف على نشاطات المرتزقة الروس الذين جنّدتهم شركة "فاغنر" الخاصة والمتعاقدة مع وزارة الدفاع الروسية. هذه الشركة تُوفّر دعماً على الأرض لقوات النظام في العمليات العسكرية ضد المعارضة.

يكتسي هذا الكشف عن الدور المتنامي للاستخبارات العسكرية الروسية أهمية إضافية في ظل بعض التسريبات عن اهتمام موسكو بعملية إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية السورية. ذلك أن هناك القليل القليل عن النفوذ الروسي وسط كومة الكلام الرسمي المنمّق عن دعم الدولة والاستقرار والمصالحة. في المقابل، نسمع ضجيجاً متواصلاً عن النفوذ الإيراني من الإعلانات القديمة عن سيطرة طهران على عواصم عربية، وربطها بين طهران وبيروت على البحر المتوسط بممر بري عبر دمشق.

روسيا كانت تؤدي عملها بصمت مدروس. ذلك أن المصدر الوحيد لأي معلومات عن النفوذ الروسي، كان التسريبات الإعلامية والتصريحات الغربية غير المنسوبة لأصحابها. وحتى هذه التسريبات كانت تتعرض لقمع شديد. في آب (اغسطس) الماضي، قُتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يُحققون في نشاط لشركة "فاغنر" في جمهورية افريقيا الوسطى.

واليوم لو قررنا أن نعد ما نعرفه عن التدخل الإيراني عبر وسائل التواصل الإجتماعي، بإمكاننا تقديم احصاء تقريبي للميليشيات الشيعية وأسلحتها وقياداتها وجولات قائد فرقة "القدس" قاسم سليماني. لكن جُلّ ما نعرفه عبر التسريبات وبعض الوقائع الميدانية، أن روسيا تلعب دوراً في اعادة هيكلة الجيش والاستخبارات السورية، وتُشرف على القوة الضاربة للإستخبارات العسكرية السورية.

وأهمية الاستخبارات العسكرية، مقارنة بالأجهزة الأخرى، تكمن في اشرافها على قوات خاصة تتولى تنفيذ مهمات عسكرية أساسية. في روسيا، تُشرف الاستخبارات العسكرية على قوات "سبيتسناز" النخبة، علاوة على قوى غير نظامية مثل "فاغنر". وهذا النموذج بات ينسحب على سوريا حيث تخضع قوات النمر الموالية للروس، إلى اشراف شعبة الاستخبارات العسكرية. مصادر مُطّلعة على الدور الروسي تتحدث أيضاً عن تدريبات لنُخبة أمنية جديدة في الأجهزة الإستخباراتية السورية، وتحديداً العسكرية منها، منذ بدايات التدخل الروسي.

والدور الأمني هذا طبيعي لو أخذنا في الاعتبار دور القوات الروسية الخاصة (الخاضعة للاستخبارات العسكرية) في سوريا. كذلك تُعتبر الاستخبارات العسكرية الجهاز الأمني الأقوى اليوم في روسيا، إذ تملك الترسانة الأكبر من العملاء في الخارج مقارنة بالأجهزة الأخرى. يتولى هؤلاء العملاء تنفيذ أغلب العمليات من الهجمات الإلكترونية على أهداف غربية إلى محاولة اغتيال سيرغي سكريبال في بريطانيا في النصف الأول من العام الجاري. سكريبال نفسه كان عضواً في المخابرات العسكرية حيث جنّدته المخابرات البريطانية لكشف أسماء جواسيس بلاده في بريطانيا.

والتركيز الروسي على شعبة الاستخبارات العسكرية مهم لسببين رئيسيين. أولاً، هذا الجهاز توسّع خلال الحرب، رغم الضربات والوهن اللاحق به بعد الثورة مباشرة، إذ يضم وفق بعض التقارير 50 فرعاً في المحافظات، و28 مركزاً في دمشق وحدها. هو في قلب الدولة الأمنية، وتولى ملفات خارجية حساسة مثل الأمن وأيضاً ادارة النفوذ السياسي في لبنان.

ثانياً، الدولة السورية أمنية، ترتكز على الأجهزة الاستخباراتية الأربعة الأساسية (المخابرات العسكرية والأمن السياسي والمخابرات الجوية والعامة). ورغم الحديث عن فشل النظام عسكرياً وتضعضع الفرق العسكرية الأساسية ما عدا الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والحرس الجمهوري أيضاً، أظهرت بيروقراطية الأمن السورية فاعلية قصوى في القتل والتعذيب على مستويات صناعية، وأيضاً في اختراق الخصم والتلاعب به.

لكن هذا كلام في الماضي. تتركز مهمة هذه الأجهزة اليوم على ادارة الميليشيات الخارجة عن سلطة الدولة المركزية (احتواء وليس بالضرورة تصفية). وهذه المهمة، باللغة الاقليمية، لن تعني سوى احتواء الوجود الإيراني، بحيث يصير ورقة يلعب بها الروسي ولا تتحكم به وبمشروعه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024