شرطي اسرائيلي للخليج

ساطع نور الدين

الأربعاء 2020/09/16
باستطلاع بسيط وفوري، يمكن الاستنتاج بسهولة أن الحفل الرباعي الذي شهدته حديقة البيت الابيض، مساء الثلاثاء، لم يدخل التاريخ، الذي جرى إستحضاره بشكل مبتذل، وربما لن يدخله أيضا.

توقيع اتفاق التحالف الاماراتي الاسرائيلي ومعه إتفاق التطبيع البحريني الاسرائيلي، حدثٌ مهمٌ وخطرٌ بلا شك. لكنه على الارجح لم يكن قادراً على الارجح ان ينافس على كسب الجمهور العالمي، الاميركي والغربي عموما، أو حتى الاسرائيلي والعربي خصوصاً. اللوم كان صريحاً من معظم محطات التلفزة الاميركية، للرئيس دونالد ترامب، لتنظيمه هذا الحفل، وقبله مهرجان إنتخابي في ولاية أريزونا، من دون إحترام قواعد التباعد الاجتماعي ومن دون الالتزام بالكمامات. وقد عرضت تلك المحطات خلال تغطيتها المباشرة للحفل آراء خبراء صحة أميركيين حول فشل ترامب المتكرر في مواجهة وباء كورونا.

التقدير الأولي ان الحفل الرباعي الذي نظمه ترامب لكي يبدو كواحد من برامج تلفزيون الواقع التي كانت سبب شهرته وطموحه السياسي. لم ينل نسبة مشاهدة عالية لا في أميركا ولا طبعاً في اوروبا، حيث لا يقع "السلام في الشرق الاوسط" على لائحة أولويات الجمهور، ولا يثير سوى إهتمام شريحة محدودة من المعنيين والمتخصصين بشؤون تلك المنطقة التي غادرها السلام، وبات الفلسطينيون ومسعاهم الدائم لنيل الحرية والاستقلال مجالاً للابحاث الاكاديمية، أكثر منه عنواناً للمبادرات السياسية.

لا تجوز المقارنة بين حفلات التوقيع السابقة بين مصر والاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية مع اسرائيل، وبين الحفل الاخير، الذي جلب دولتين عربيتين، خرجتا منذ سنوات عديدة من الصراع العربي الاسرائيلي. ثمة من ينسب هذا الخروج الى إتفاق أوسلو العام 1993 ، الذي شكل ذروة تمرد المفاوض الفلسطيني على المظلة العربية، ما سمح بالكثير من القفزات العربية نحو إسرائيل، بحجة تشجيعها على السلام.. الى أن وصل الامر أخيراً الى طلب التحالف معها، لا سيما على الصعد العسكرية والامنية والاستخباراتية، لمواجهة العدو المكتشف حديثا، إيران.

لن يشكل التوقيعان العربيان الجديدان اللذان نالهما ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي منعطفاً "تاريخياً" على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي ومعادلاته. فالنوايا والرغبات، وطبعا الاتصالات الاماراتية والبحرينية مع الاسرائيليين قديمة جدا، وثمة من يزعم أنها سابقة لإتفاق أوسلو نفسه. الجهر بها وتحويلها الى معاهدات رسمية، لم يحدث صدمة، ولن يؤدي الى تهافت عربي أكبر من ذلك القائم حالياً، ولا الى خسارة فلسطينية تفوق الخسائر التي منيوا بها حتى الآن..عدا عن تحول الامارات والبحرين الى بلدين كارهين، او نابذين، او حتى طاردين للفلسطينيين في مرحلة لاحقة.

وهي محصلة سيئة جدا للتوقيعين الاماراتي والبحريني، لكنها لن تكون على المدى البعيد أسوأ من التوسع، ولاحقاً التمركز الاسرائيلي على شواطىء الخليج العربي. الامر الذي يحقق لإسرائيل مكسباً "إستراتيجياً" فعلا، يؤهلها لدور شرطي أو معاون شرطي الخليج.. الذي كان حكراً على الاميركيين، فضاقوا ذرعاً به، وحلماً يراود بقية دول العالم الكبرى.

ما جرى في واشنطن بالامس، حدث خليجي إستثنائي. إسرائيل ترث بعض الوظيفة الاميركية في الخليج، وإذا أحسنت الاداء قد تصبح يوما ما هي رجل الامن الوحيد هناك. وهو ما يبدو مرجحاً حتى الآن في ظل رد الفعل الايراني المنضبط على ما فعلته الدولة الخليجية الاقرب الى إيران. الصخب الشديد الأتي من طهران، يبدو صادراً عن أصحاب رأي لا عن أصحاب موقف او صناع قرار. لعل إيران باتت من الوهن بحيث لا تقوى على غير استخدام أقسى العبارات في التنديد والتهديد والتحذير، من دون ان تجرؤ حتى على خفض مستوى علاقتها او تجارتها مع الامارات.

يمكن لمنطقة الخليج العربي ان تتعايش بسهولة مع هذا الغضب الصادر عن إيران، مثلما يمكن لإسرائيل ان تتفاعل مع هذا الغضب وتحضنه!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024