مليار بوتين للأسد

بسام مقداد

الثلاثاء 2020/11/24
على هامش مؤتمر عودة المهجرين السوريين ، الذي عُقد في دمشق ، قررت روسيا منح النظام السوري مبلغ مليار دولار ل"الأهداف الإنسانية ، وإصلاح شبكة الكهرباء والإنتاج الصناعي والمواقع الدينية" ، كما أعلن ميخائيل ميزنتسيف ، رئيس هيئة التنسيق الروسية السورية لعودة المهجرين السوريين . وإذا كان المؤتمر، بنتائجه المتواضعة في مساعدة الكرملين على بلورة خطواته المقبلة في سوريا(كارنيغي موسكو) ، لم يحظ من المواقع الإعلامية الروسية سوى ما تستحقه هذه النتائج من الإهتمام الضعيف وندرة النصوص التحليلية ، إلا أن نباْ المليار دولار، لم يكن ليمر كما المؤتمر ، سيما وأنه ترافق مع نبأ مماثل بمنح الديكتاتور الآخر في بيلوروسيا مبلغ مليار ونصف المليار من الدولارات . فقد أثار "كرم" الكرملين إستياء قوى سياسية معارضة ومواقع إعلامية ، خاصة على خلفية فشله في مواجهة تفشي وباء الكورونا ، الذي تخطى 20 ألف إصابة يومياً ، لامتناعه عن إعلان الحجر العام ، حتى لا يضطر إلى دفع تعويضات للمواطنين والبيزنس الصغير ، على غرار ما تقوم به الدول المقتدرة. 

موقع "Rosbalt" المتهم باليسارية ، نشر تعليقاً لناشط سياسي معارض لمعونة بوتين للأسد ولوكاشنكو ، بعنوان "الأسد ولوكاشنكو أقرب إلى بوتين ويحتاجهما أكثر من مواطني روسيا" . قال هذا الناشط ، أن روسيا ، وبقرار فردي من بوتين ، منحت مساعدة لسوريا (الديكتاتور الأسد ــــــ الموقع) مبلغ مليار دولار (75 مليار روبل) ، وبقرار من بوتين أيضاً ، سبق أن منحت بيلوروسيا (الديكتاتور لوكاشنكو ــــ الموقع) مبلغ مليار ونصف المليار دولار (حوالي 115 مليار روبل) . أموال المواطنين هذه ، التي خصصتها روسيا ل"هذين الوغدين" من دون بحث أو نقاش ، ومن دون رقيب أو حسيب ، لن تستعاد أبداً . وهي  أموال حُرمت من المواطنين الروس ، "الفقراء والمرضى والناس المحرومين من أدنى متطلبات الحياة" ، إنها "أموال منهوبة" عملياً. 

يقارن الكاتب بين هذه الأموال ، التي صُرفت دون "بحث أو نقاش" ، وبين مبلغ 20 مليار روبل خُصص ، بعد مناقشة في مجلس الوزراء لمدة سنة ، لمساعدة منطقة "من أكثر مناطق روسيا فقراً ومديونية" ، يُصرف خلال 10 سنوات ، بمقدار 2 مليار كل سنة . ويؤكد ، أن هذه الأموال سوف تُغطى من ضرائب على مؤسسات "غير موجودة حالياً ، ولم يتم الإستثمار  فيها بعد في منطقة بسكوف المعنية" ، أي أنها غير متوفرة حالياً ، "ولن تتوفر أبداً ، على الأرجح" ، في حين يحصل "إثنان من الغيلان" على أموال المواطنين الروس ، ومن دون الوقوف في طابور الإنتظار.

ثمة مقولة شائعة بين المواطنين الروس غير المسيسين تقول ، بأن "سياسة بوتين الخارجية ناجحة ، في حين أن سياسته الداخلية ليست على ما يرام ، ويجب تحسينها" ، حسب الكاتب . ويؤكد ، أنه في ظل مثل هذه السياسة الخارجية ، يستحيل إنتهاج سياسة داخلية أخرى ، إذ أن فقر الروس وعوز المناطق الروسية ، هما الضريبة ، التي يدفعها بوتين مقابل دعمه للأنظمة الديكتاتورية في أرجاء العالم.

رئيس الحزب الديموقراطي الروسي الموحد (يابلوكا) ، وعبر موقع الحزب الإلكتروني ، توجه بنداء إلى رئيس مجلس الوزراء الروسي ورئيس ديوان المحاسبة يطالبهما بإعادة النظر بتخصيص أموال من الموازنة لتقديم مساعدة لسوريا . يقول رئيس الحزب نيكولاي ريباكوف في ندائه ، بأن تقديم المساعدة المالية لسوريا ، يأتي في ظل وضع حرج في تمويل النظام الصحي الروسي . حيث نشأ ، في ظروف إنتشار وباء فيروس الكورونا ، وضع حرج في عدد من المناطق الروسية بشأن تأمين المعدات والأدوية ووسائل الحماية الشخصية والإختبارات.  

وبعد أن يشير رئيس الحزب إلى العجز في موازنات المناطق الروسية وحجم مديونيتها ، يقول بأنه يستحيل في ظل الظروف الناشئة تخصيص أموال لسوريا . ويؤكد ، بأن أجهزة السلطة الروسية عليها أن تسترشد ، بالدرجة الأولى ، بمصالح المواطنين الروس ، وتوفر لهم مستوى حياة رفيعاً . ويطالب رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين ببحث الأوضاع في المؤسسات الصحية ، وإعادة توزيع الأموال المخصصة لمساعدة سوريا ، لصالح توفير المساعدات للمواطنين الروس في ظروف الجائحة. 

ومن رئيس ديوان المحاسبة ألكسي كودرين ، يطلب رئيس الحزب التحقق من الإلتزام بتنفيذ قانون الموازنة الفيدرالية ، والتدقيق في توافق الإنفاق على مساعدة سوريا مع الأهداف القومية والمهمات الإستراتيجية لروسيا . وفي حال وجود مخالفات لقانون الموازنة ، يطالبه باستخدام صلاحيات ديوان المحاسبة لإتخاذ التدابير الآيلة إلى الحؤول دون الإمعان في ارتكاب المخالفات.

أسبوعية "vlast" الصادرة عن الهولدنغ الإعلامي الروسي الكبير "top secret" ، لم تخرج عن السياق المعترض على "كرم" الكرملين مع "ديكتاتوريي" العالم و"أوغاده" ، وعن "بخله" مع الروس في الوقت عينه . فنشرت للإعلامي  نيكولاي سفانيدزه نصاً بعنوان "القبضايات أغلى من المواطنين" . يقول الكاتب ، بأن مثل هذا الأمر لم يحدث أبداً في السابق ، فها هي روسيا تخص سوريا بمبلغ مليار دولار ، وتغمر بكرم مساعداتها بيلروسيا وأستيا الجنوبية ومولدوفيا وفنزويلا . روسيا تمد يد العون للخارج "بكل سرور" ، لكن يدها نادراً ما تصل إلى شعبها ، وإذا وصلت ، تبلغه بانتقائية شديدة.

يبذل الكرملين مكارمه على الخارج ، بينما الداخل هو بأشد الحاجة إلى أمور كثيرة . لكن الدولة الروسية ، وبحكم العادة ، تعتبر نفسها دولة عظمى لها مصالح عالمية ، أو هي "تتوهم ذلك" ، وأحياناً يتبين أنها ليست مصالح ، بل هي منافع قبضايات . وبكل الأحوال ، الأطماع والطموحات الكبيرة تتوفر بكثرة لدى روسيا ، ولذا غالباً ما تتقدم فيها السياسة الخارجية على الداخلية ، وهو أمر شديد الضرر ، لا سيما في مرحلة الصراع مع الجائحة ، حيث المساعدة في الداخل ملحة. 

من الواضح جداً ، برأي الكاتب ، أنه في هذه المرحلة شديدة الصعوبة من الصراع مع الجائحة ، لا تريد السلطات الروسية أن تكثر من الإنفاق ، وتدرك في الوقت عينه ، أن حجراً عاماً آخر ، هو موت محتم للإقتصاد . ولذلك تسير طوال الوقت في مكان ما بالوسط ، فتنقذ البعض كالأطباء والمدرسين ، وتمتنع عن إعلان الحجر الكامل وإنقاذ ملايين الروس ، ويخلص للقول ، بأن "دولتنا تجيد الإقتصاد في إنفاق الأموال على مواطنيها".  

لكن الكاتب يستدرك ، بأنه قد لا يكون على الروس الشعور كثيراً بالأسى على المليار دولار لسوريا ، إذ أن النهب في روسيا بلغ مستوى قد يختفي معه نصف المبلغ في الطريق ، وإذا بقي في روسيا قد يختفي بالكامل . ولذلك يعتبر ، أنه من الجيد إذا كان المبلغ يساعد "الرفاق السوريين" ، أما الروس فحالهم مع حكامهم، كما في تلك النكتة "غير المهذبة" ، كحال العروس ليلة الزفاف ، حيث لا فرق على أي جنب تستلقي.

الكرملين ليس شديد الخشية من أصوات المعارضة الروسية ، مهما علت في الحديث عن الأزمة الإقتصادية المعيشية الفعلية ، التي يعيشها الروس، إذ أنه على ثقة تامة بفعالية ما ارتكبه بحقها خلال عشرين عاماً . يدرك ، بالطبع ، بأن المساعدات المالية ، مهما عظم حجمها ، ليست الحل للإقتصاد المتأزم في سوريا الغارق حتى الأذنين في مستنقعها . ولم يقدم له مؤتمر عودة المهجرين ، ما كان يتوخاه من مساعدة في تلمس سبل مقاربته اللاحقة لهذا الصراع ، حسب مركز كارنيغي موسكو ، ولا يعفيه مخدر المساعدات المالية من تحديد موقف واضح من إنهيار سوريا الإقتصادي وعواقبه الوخيمة على "إنجازاته" السورية . وقد يكون معبراً عن ما كان يتوخاه الكرملين من المؤتمر النص ، الذي استبقت به المؤتمر كبرى أسبوعيات الأعمال الروسية "expert" ، وكتبه مستشار الدولة الخبير الإقتصادي إيغور ماتفييف  بعنوان "آن الأوان لتحدد روسيا موقفها من الإستراتيجية الإقتصادية في  سوريا". 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024