إيران تدخل في مواجهة طويلة

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/07/08
60 يوماً، أو شهرين، هي مهلة طهران للإتحاد الأوروبي كي يُساعدها على تجاوز العقوبات الأميركية، وإلا فإنها ستقضي على الاتفاق النووي، وتعود بإيران والمنطقة الى دوامة التوتر والعد العكسي للمواجهة العسكرية الحتمية. وفي حال اقتصر التحرك الأوروبي على "العلاج الكلامي"، ستتخذ ايران "خطوات أقوى" و"أكثر حزماً" في برنامجها النووي، كما جاء على لسان الناطق باسم الخارجية الايرانية عباس موسوي.

والحقيقة أن الاستراتيجية الايرانية تبلورت اليوم، وفقاً لسلسلة الأحداث الماضية، ولتصريحات المسؤولين الإيرانيين. هناك خطان متوازيان في السياسة الإيرانية. 

أولاً، سترفع ايران السقف في الملف النووي في مواجهة أوروبا، مع خروق متتالية وتدريجية للاتفاق، بما يحيله ميتاً. والمهلة الحالية أساسية في تحديد هذا المسار، ذلك أن الأوروبيين لن يُغامروا بعلاقاتهم السياسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة كرمى للاتفاق، وقد ينضموا الى واشنطن في فرض عقوبات اضافية على الجانب الإيراني.

ثانياً، سيُواصل حلفاء طهران التصعيد تدريجياً على الأرض ضمن اطار مقبول بين الأطراف، أي من خلال حروب أو مناطق توتر قائمة بشكل منفصل، مثل حرب اليمن، أو في أفغانستان والعراق وسوريا. وهذا التصعيد سيزداد تدريجياً كلما اتضح بأن الاتفاق النووي ميت فعلاً.

بالنسبة لإيران، ليس قرار التصعيد خياراً، إذ أننا أمام دولة تفقد مقومات الحياة. 3 أرقام ترسم حجم المأزق الايراني. الرقم الأول هو الفجوة بين المدخول النفطي المتوقع، وذاك الحقيقي. توقعت إيران نهاية العام الماضي، أنها ستواصل بيع مليون ونصف المليون برميل يومياً في ظل العقوبات الأميركية. وبالتالي وضعت موازنة تحوي مدخولاً نفطياً بقيمة 24 مليار دولار أميركي للعام الجاري. لكنها اليوم تبيع أقل من نصف مليون برميل يومياً بأعلى تقدير، أي أنها بالكاد ستجمع عشرة مليارات دولار أميركي. وهذه فجوة رهيبة لدولة غير قادرة على الاستدانة من الأسواق المالية نتيجة عزلتها في العالم. 

الرقم الثاني هو معدل التضخم بالاسعار الذي استقر على 35 بالمئة. هذا مؤشر الى حالة اقتصادية مُزرية بالنسبة لذوي الدخل المحدود. والرقم الأخير هو العملة التي فقدت 70 بالمئة من قيمتها منذ العام الماضي. هل يقدر النظام الايراني على الاستمرار بهذا الحال دون نزاع خارجي؟

من الصعب تبرير التدهور المالي والاقتصادي للداخل، دون وجود أزمة خارجية مشتعلة، لا كلامياً فقط ولكن أيضاً عسكرياً. صحيح أن المسؤولين الايرانيين وآخرهم مستشار خامنئي في الشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، يؤكدون أن ايران لن تُبادر بالحرب أو الاعتداء، إلا أن هذا الكلام المباشر لا يشمل الاعتداءات بالوكالة.

وبالتأكيد لا يشمل هذا الكلام، التصعيد المرتقب بعد اعلان جاريد كوشنر، المستشار والصُهر الرئاسي الأميركي، الشق السياسي من "صفقة القرن". خامنئي، وفي كلمته قبل أسبوع أمام المسؤولين الإيرانيين عن شؤون الحج، تحدث عن مواجهة الفلسطينيين وسائر شعوب المنطقة للصفقة، "رغم أنوف الساسة الأميركيين". 

هذا إعلان نية للتصعيد بعد الكشف عن الصفقة. وهل هناك فرصة أكبر من هذه الصفقة بشقيها السياسي والمالي لرفع مستوى التوتر في المنطقة؟

في المقابل، يبدو الرد الأميركي أشبه بمحاولة احتواء للضرر الإيراني. وهذا واضح في العراق وسوريا أيضاً. في العراق، بات أي تصعيد لحلفاء ايران، تقويضاً لسلطة الدولة، وعلى رأسها رئيس الوزراء عادل عبد المهدي. هذه جبهة ليست بالهينة، وبالتأكيد ليست محسومة سياسياً للإيرانيين.

في سوريا، التوتر الإيراني-الروسي بات ظاهراً أكثر من أي وقت مضى، وهو على الأرجح نتيجة تنازل أميركي في القمة الأمنية الثلاثية في القدس نهاية الشهر الماضي. وليس من المستبعد أن تكون التشكيلات الأمنية والسياسية الرفيعة المستوى في سوريا، خطوات استعداداً لاحتواء الوجود الايراني، وتحييد هذا البلد كساحة نزاع.

هذه مواجهة تتكشف فصولها تباعاً وبشكل متسارع، لكنها أيضاً طويلة وبلا أفق ظاهر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024