الانتفاضة الإيرانية.. اقتصادية؟

مهند الحاج علي

الإثنين 2018/01/01
دخلت الاحتجاجات الايرانية يومها الخامس وسجّلت 10 قتلى وفقاً لمصادر اعلامية متقاطعة، لكن المشهد ظل ضبابياً سيما لجهة عدم وجود تسلسل تصعيدي ظاهر. وفي هذا المقام، لا بد من الاشارة إلى سببين رئيسيين وراء عُنصر المفاجأة في الاحتجاجات الايرانية.

أولاً، التوقيت ليس مقنعاً من الناحية السياسية. لا ينتقص ذلك من حقيقة مشاعر غالبية الايرانيين حيال النظام وأدائه منذ عام 1979. فلو أن طبيعة النظام الحالي عُرضت على استفتاء، لرفضها الايرانيون بعدما خبروا عقوداً من العقوبات والمواجهات المكلفة اقتصادياً وبشرياً دون نتائج.

لكن في سياق الأحداث الراهنة، كانت الانتفاضة مُفاجئة.

قبل أسابيع من بدء التظاهرات وحتى أيام قبل بدئها، كان المحللون المختصون بالشأن الايراني يتحدثون عن ردم الهوة بين النظام والشعب الايراني نتيجة السعي الأميركي لإلغاء الاتفاق النووي مع طهران. كما لجأ النظام إلى تبني شعارات قومية بشكل متزايد، واستخدام مغني راب وألوان فنية كانت مُحرّمة وممنوعة حتى زمن قريب، من أجل الترويج للسياسات الخارجية في مواجهة ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحلفائها في المنطقة. لم تكن هذه التحليلات مبنية على استطلاع علمي في بلد ممسوك أمنياً مثل ايران، بل على أساس استشفاف للمزاج العام في البلاد.

والواقع أن أي سؤال يُطرح في ايران عن امكانية انتفاضة جديدة، ستحمل الإجابة عنه عُنصرين أساسيين: أولاً، الإيرانيون جرّبوا الانتفاضة عام 2009، ولاقوا رد فعل عنيفاً، وفشلوا في تأمين استمراريتها. وثانياً، بعد الحروب الأهلية والأزمات الاقتصادية في العالم العربي بعد ثورات عام 2011، باتت القناعة السائدة بأن التغيير في الشارع ليس ممكناً. ماذا تغير اليوم؟

المناسبة السياسية للانتفاضة غائبة حالياً. عام 2009، تعرضت الانتخابات الى التزوير، وانطلقت احتجاجات عمادها الحملة الانتخابية المُحبطة للمرشح حسين موسوي. كانت المناسبة الحالية هي الموازنة الجديدة والسياسة الاقتصادية المتبعة للرئيس حسين روحاني. حتى في موضوع الاقتصاد، هناك مؤشرات متنوعة، وفقاً لما جاء في ورقة أعدتها الباحثة في الشأن الايراني الدكتورة فاطمة الصمادي.

بداية، تمكنت ادارة الرئيس روحاني من خفض نسبة التضخم من 40٪ في النصف الأول من عام 2013 إلى 9٪، لكنها لم تعالج مشكلات الفقر والبطالة بل ارتفعت الأخيرة من 10.4% أيام الرئيس الايراني السابق أحمدي نجاد الى 12.7% حالياً. ما زال 12 مليون ايرانياً يعيشون تحت خط الفقر، ويُعاني 25-30 مليوناً فقراً نسبياً. حتى الصمادي، ورغم ايرادها هذه الأرقام ونقدها السياسة الاقتصادية المتبعة، رأت أن الانتخابات الأخيرة أظهرت وجود ”كتلة اجتماعية وتيار قيد التشكل سيكون له تأثيره وحضوره في مستقبل إيران، ولعل الحرمان والغضب هو أبرز ملامح بنيته الاجتماعية، فضلًا عن شعوره بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي، كما أن عمقه يمتد في الأرياف والمدن الأخرى غير طهران. وهو تيار شعبوي أقرب إلى أحمدي نجاد من غيره“.

وهذا التيار لا يقتصر فقط على أحمدي نجاد، بل يضم شبكة واسعة من المحافظين على رأسهم مرشده الروحي رجل الدين آية الله محمد تقي مصباح يزدي. وأحياناً يُطلق على هذا التيار المتغلغل في السلطة، والمعادي للإصلاحيين اسم المصباحيين. ذلك التيار ليس بالضرورة المُنظّم لهذه الاحتجاجات الواسعة التي شملت هتافات ضد نظام الحكم الايراني والمرشد نفسه علي خامنئي، لكنه مُطلق الشرارة الأولى بتظاهرته في مشهد، والمستفيد الأول منها.

بحسب المحلل الايراني حسين درخشان، فإن المصباحيين اليوم حلفاء ادارة ترامب في مواجهة روحاني، وعيونهم ليست فقط على الرئاسة، بل أيضاً على معركة خلافة المرشد الذي يُعاني من مرض السرطان، وتتكاثر الشائعات عن تدهور صحته منذ خضوعه لعملية جراحية عام 2014. والاصلاحيون يرون اليوم فرصة لابدال منصب ولاية الفقيه بمجلس فقهاء مُصغّر بما يُعزز دور ونفوذ الرئاسة وبقية المؤسسات الجمهورية المنتخبة، فيما يرغب الفريق المحافظ بأنواعه في بالحفاظ على منصب الولي الفقيه وخلافة خامنئي على هذا الأساس. منذ العام 2015، يُسيطر هذا الفريق على مجلس الخبراء الذي يتولى اختيار خليفة المرشد عند وفاته، من خلال رئيسه آية الله أحمد جنتي. قبل يومين من الاحتجاج، انتقل آية الله محمود هاشمي شهرودي أحد أبرز المرشحين لخلافة خامنئي (خارج حلقة المصباحيين)، إلى خارج ايران لتلقي العلاج بعد تدهور صحته. وهذا قد يُزيل عقبة من طريق المصباحيين، نظراً لدوره في مجلس الخبراء.

طبعاً ليس أي من يزدي أو جنتي ضمن الخيارات المتاحة نتيجة تقدمهما في السن، لكن هناك أسماء قريبة منهما مطروحة، مثل إمام جمعة طهران أحمد خاتمي (56 عاماً) ورئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني (56 عاماً).

وهذا التحليل يضع الأمور في سياقها. بيد أن الاحتجاجات اليوم في ايران لن تطيح النظام أو تتحدى نفوذه بشكل شامل. أقصى ما يُمكنها تحقيقه هو إضعاف روحاني وفريقه، واحراجهما تحضيراً للانتخابات الرئاسية المقبلة، ثم المعركة الأهم بعدها: اختيار المرشد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024