كورونا سيسقط الأسد

أحمد عمر

السبت 2020/04/25
الفيروس المجهري هو الذي سيُسقط الأسد، الذي عجزت عنه مائة دولة، كما قضت ذبابة على النمرود، بل هو فيروس "فرمتة" العالم برمته، أو إعادة تشكيله؛ بالحركات الثلاث الفتحة والضمة والكسرة، فالأرض محل صراع إلى أن يرثها الله، فنحن نتصارع منذ وجودنا على الأرض، لكن عبر قواعد محتملة، فلم يسبق أن "باظت" قواعد اللعب كما هي الآن. لم يعد يطاق الإعلام المجنون.

ويمكن لمحلل سياسي سوري فقيه بتقليب الكلام وتبديل مواضعه، ووضع السمّ في العسل أن يهنئ أمريكا بالنفط السوري، فلم يعد له قيمة، لقد بات النفط لعنة حقيقية، كان العالم يتوجس من ذوبان الجليد في القطبين فإذا به يغرق في النفط، والغرق في الماء أكرم، ولم يعد المشاهد المسكين يفرّق بين العسل والسمّ. بل لا يحتاج الأمر إلى فقيه، يكفي الظهور على التلفزيون الذي كان الظهور عليه يوماً يعني الدولة ويعني الشهرة ويعني المجد. لقد سوَّى الاعلام بين الفقيه والسفيه.

 وسنضحك من ذكاء المحلل السوري وكبير المحللين، شريف شحادة، مثلا، وقد تحوّل إلى ما يشبه العصف المأكول، ذلك الرجل الذي توعّد يوماً بأن الملائكة لن تقدر على إسقاط الأسد، فستسقطه مليشيات الفيروسات بأجيالها وكوفيداتها، وقد ظهر نحيلاً، يستدرّ الشفقة، أقوى أعضائه لسانه!

 سيذكّرنا فيروس  كورونا الحقير، المتناهي في الصغر، بمظاهرات أطفال درعا، هو الآن أصغر حجما من أولئك، أصغر بكثير، فهو لا يرى إلا بالمجهر، لا نعلم إن كان كورونا فيروساً سورياً نما ونشـأ وترعرع في معتقلات سوريا أم في معتقلات الأيغور أم الروهينغا، أم نشأ في حضن العنصرية الأمريكية، لعله طفرة في الظلم والظلام، لعله وحش مجهري توفرت له شروط العفونة والرطوبة والظلام فانبثق من آلام المعتقلين، ثم تحوّل من خلية ميتة إلى حية كاملة من القهر والغضب، ونطق كما ينطق الحجر من الألم، كما في بعض نظريات أصل الخليقة التي زعمت أن خلية ما سقطت من الكون وتحت شروط معقدة من الشمس والرعد والبرق تحولت إلى كائن حي رائع مثل الفراشة أو العنكبوت!

 للأسد علماء أيضاً، مثل العالمة غادة بشور والعالم فراس حمزاوي مطرب الجيش، والعالم نجدت انزور، فلعلهم طوروا هذا الفيروس في مختبرات الفانتازيا التاريخية!

وكان لصدام علماء، ولكيم جونغ علماء، فهي دولة نووية، لكن حسب الأخبار هو مريض، ومن لطائف كوريا التي تعد الأولى في الدكتاتورية أنها لا تجد حرجا من تصوير ربهم ومعبودهم على سرير المرض، فلعل كوريا هي الثانية وسوريا هي الأولى، وأول علامات النذير الكورونية أن كورونا غيّب ابتسامة النصر للأسد وراء كمامة، وهو ما لم نكن نحلم به.

ثاني العلامات أن الصراع استشرى في العائلة، فلم يعد لابن الخالة قيمة، فقد ماتت الخالة، وانحسر تأثيرها، وتلك سنّة الحياة التي أريد لها أن تتعطل، وباتت زهرة الصحراء اللندنية، التي تربّت على جيمس بوند هي السيدة الأولى، ولن تهمّ الطائفة، فالمال سيد الطوائف، وطائفتها المال.

  أما سبب نمو هذا الفيروس، فلأن الدنيا باظت، وقد جاء في وقته لفرمتة العالم الذي لم يعد يطاق.

 كان كل الطغاة السابقين يخجلون من الإعلام، ويتألمون من خبر في شريط إخباري على الجزيرة، ويحتجّون، ويقاطعون، ولديهم قدرات كبيرة على كتم الأخبار، وكانت الجزيرة سيدة القنوات، وكانت تَجري مفاوضات بين الجزيرة وبين الأنظمة، ويفرج عن معتقل عربي هنا وهناك بعد حذف الخبر، لكن الطغاة المعاصرين لا يخجلون، والدنيا لم تعد تطاق، الدنيا باظت، ولا بد من ضبط المصنع.

وبما أن الصحافيين يفضّلون تعبير "غيم اوفر"، فقد باظت اللعبة، حتى أن فضائية فرنسية أمس راحت تحاول إقناعنا بأن التدخين مفيد ويقاوم الكورونا، وذكرت فضائية عالمية أن مريضاً شفي بالقرنفل، ويزعمون أن فيروس كورونا يستهدف زمراً دموية بعينها، والعلماء كل يوم في شأن، وفي بدعة علمية جديدة، أما السفاهة السياسية، فقد جعلت عبد الرحيم الحويطي يواجه الموت بشجاعة، فلم تعد الدنيا تستحق أن تعاش.

 يشبه الحال ونحن نتحدث عن اللعبة وقد فسدت حتى أن  مدرسا جامعيا كنديا نعى  العالم بحلو نظام التفاهة، كما لو أن الجمهور كله نزل إلى الملعب، وقتل حكم المباراة وكتم أنفاسه، واختفى حكما التماس، وسُرقت الصفارة، وضاعت الخطوط وامتلأ بالكرات، وكسرت عوارض المرمى، ونرى لكل لاعب جمهوراً يقول له: روعاتك، ولا يخلو أحدنا من رعية ترعاه، وسنجد من يقول للكورونا شكراً لمرورك لكنه ليس مروراً عابرا، ستطول إقامته سنة ونصف سنة على أقل التقديرات، وسينال الجنسية، بل وسيتكاثر وينجب الأنسال، ويترك بصمة لم يتركها فيروس على الكوكب من قبل.

 علامات كثيرة تصدر عن روسيا التي ترعى الفيروسات السياسية، وترعى أمريكا الفيروسات نفسها أحيانا غيرها، أنها ستضطر عاجلاً أو آجلاً إلى تبديل بطل الفيلم السوري بوجه جديد، إلى بطل جديد، من الأقلية نفسها، يعدنا بالمن والسلوى والأمن والاستقرار، ثم يبدأ الصراع من جديد.

فيروس كورونا فيروس درامي، هو فيروس تسريع التناقضات، هو فيروس الانتقام، الذي يوشك على إعادة الاعتبار للطبيب الذي سرقه المطرب والرياضي، هو فيروس الغرام، فهو يدمر مناعة الصداقات القديمة والعهود القديمة، وأول الضحايا الكبرى: الرز الأسود! والسعيد من الحكّام من إدّخر رزَّه الأبيض ليومه الأسود.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024