تهنئة للأسد وتصفيق للسيسي

أحمد عمر

الجمعة 2019/03/01

استهزأ رئيس المجلس الأوروبي "دونالد توسك" بنفاق صحافيي "تسلم الأيادي" للرئيس المصري، في المؤتمر الصحافي لختام فعاليات القمة العربية الأوروبية، بعد تصفيقهم الشديد العاصف لصاحب أكبر تعديلات دستورية في العالم، على كلمته. وهي ثاني بلاغة من بلاغات السيسي التي أذهلت الشعب المصري حول ثقافة الإعدام وتخفيض الأسعار بقوله: إنسانيتنا غير إنسانيتكم! تجنب الرئيس المصري أن يذكر الأعراف، أو الدين. الأمر يجعل كاتب السطور يتوقع مزيداً من المصائب والحرائق، والفواجع والنكبات، كحريق "محطة مصر"، فلا نزال في سعة من الأمر، ورخصة.. المصائب قادمة.

وقال توسك: "أنا أقدر تمامًا حماس الإعلاميين الذي أعربوا عنه، إنه من المستحيل أن نحصل على مثل رد الفعل هذا في أوروبا، أهنئك على هذا". موجهاً حديثه لـ "السيسي"، فنال تصفيقاً جديداً. ويختلف التصفيق السوري الذي له سبْق، عن المصري، وللسوري على المصري درجة، بما فضل الله بعضهم على بعض، فالتصفيق في سوريا مستورد من كوريا، والصناعة الأيدولوجية فيها شديدة الإتقان، وللتصفيق إيقاعات موسيقية وأسماء، مثل الصفقة الطلائعية، التي حوّلتْ التعليم إلى متعة. "تعليم المتعة" سبق به النظام السوري التعليم بالأغنية الذي لم نعرفه إلا قريباً.

كبر جيل الطلائع الذي صنعه الأسد على عينه، فرأينا ذلك العرس الجميل في مجلس الإدارة المحلية، تصفيق ثم هتاف "شعري". وهكذا استمر العرض، وعدَّ العادّون ثلاثين هتافاً، فلكل قرار جواب. ولكل باب صفقتان أي مصراعان. يمكن الحديث عن خوارزمية التصفيق.

يقدم ابن منظور الافريقي في معجم " لسان العرب" في لفظة صفق، مائدةً شهية من معانيها، تصفق لجوانب الحياة كلها، اخترت منها هذه المعاني بعد حذف بعضها، والتعليق على بعضها الآخر. اصْطَفَقَ القومُ: اضْطَرَبُوا. وتصافَقُوا: تَبَايَعُوا. وصَفَقَ يَده بِالْبَيْعَةِ وَالْبَيْعِ وَعَلَى يَدِهِ صَفْقاً: ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى يَدِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ، قَالَ السِّيرَافِيُّ: يَجُوزُ أَن يَكُونَ مِنْ صَفْقِ الكفِّ عَلَى الأُخرى، وَهُوَ التَّصْفاقُ يَذْهَبُ بِهِ إِلى التَّكْثِيرِ، وتَصافَقَ القومُ عِنْدَ البَيعة. وَيُقَالُ: رَبِحَت صَفْقَتُك، للشِّراء، وصَفْقةٌ رابحةٌ وصَفْقةٌ خاسِرةٌ.  قال عمر: أخفي هذا على من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألهاني الصفق بالأسواق. يعني الخروج إلى تجارة. نحن عندما نصفق للرئيس إنما نتاجر. نحن نشتري الأمان.

وَفِي الحَدِيثِ: إِن أَكْبَرَ الكبائِر أَن تقاتِلَ أَهلَ صَفْقَتِكَ؛ هُوَ أَن يُعْطِيَ الرجلَ عهدَه وميثاقَه ثُمَّ يُقَاتِلُهُ، لأَن الْمُتَعَاهِدَيْنِ يَضَعُ أَحدهما يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَبَايِعَانِ، وقد تصافق الشعب مع الرئيس صفقة قهرية، أقسم فيها الرئيس على حماية الشعب والحفاظ على الدستور. وهو ما نسميه بالعقد الاجتماعي، العقد صفقة. وَهِيَ المرَّة مِنَ التَّصْفِيق بِالْيَدَيْنِ. وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: أَعْطاه صَفْقَة يدِه وثمرةَ قَلَبه. والتَّصْفِيقُ بِالْيَدِ: التَّصْوِيتُ الانتخابي بِهَا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: صَفْقَتانِ فِي صَفْقةٍ رِباً، وهو من الكبائر، ومثاله أن تصافق الشعب بالحفاظ على البلاد، ثم تبيع الجولان أو حميميم، أو تبيع تيران وصنافير. هذا ربا. والربا سحت.

صَفَقَهم مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ أَي أَخرجهم مِنْهُ قَهْراً وذُلًا، وهو ما وقع للشعب السوري، والصافِقةُ: الداهيةُ الدهماء، وقد وقعت بنا، وقد رآها توسك، والصَّفائِقُ: صَوارِفُ الْخُطُوبِ وَحَوَادِثُهَا، الْوَاحِدَةُ صَفيقة. كأن نقول: صفيقة شراء طائرات الرافال.

وجاء مرة في أحد الكتب وصف للنكاح والصفق والرهز، سنعفو عنه، فهو ما لا تجيزه الصحافة المعاصرة نشراً. وجاء في مسرحية لمحمد رضا وكان يعقد كثيراً من الصفقات قول محمد عوض له: أنت رجل صفيق. ولا أدري عدد الصفقات التي عقدها الرئيس المصري الصفيق، أما صفقات الرئيس السوري مع إيران وروسيا، ففيها بيع لمصير البلاد نصف قرن إلا سنة، وكم ستحتاج مصر وسوريا للتعافي من الصفقات والتصفيق والصافقات.

وتقول الأمثال العربية في الصفقة: أَخْيَبُ صَفْقةً مِنْ شَيْخِ مَهْوٍ. وليس للرئيس الجزائري الشيخ علاقة بهذا المثل، الذي أسعفته السلطات الجزائرية إلى سويسرا لإعادة الشيخ إلى صباه، فهو أعلى درجة في سلم العمر من الشيخ المهوي، وقد قامت مظاهرات جزائرية بالحفاضات.

ويعتذر كاتب السطور عن شرح المثل، ابن منظور يشرحه مرة، ومرة أخرى يعتذر، قَالَ: وَهُمْ حَيٌّ مِن عَبْدِ القَيْس كَانَتْ لَهُمْ فِي المَثَل قِصَّةٌ يَسْمُج ذِكرها. هناك صمامات حيوية تتعطل عند الشيوخ الذي يلتصقون بالكرسي. لكن لا بأس أن نشير إلى القول السوري الشائع: "شيء بيهوي"، وشرح المثال للميداني يورد ألفاظاً تعتبر خادشة للحياء هذه الأيام، التي تجري فيها الدماء وتتفحم الأحياء من النار والقهر.

صافَقَت الناقةُ: نَامَتْ عَلَى جَانِبٍ مَرَّةً وَعَلَى جَانِبٍ أُخرى، والتَّصْفِيقُ: تحويلُ الشَّرَابِ مِنْ دَنٍّ إِلى دَنٍّ، والمعنى السياسي قريب ونجده في تحول النخبة المصرية من دنّ مبارك إلى دنّ السيسي.

 نعود إلى توسك الذي سخر منّا، وأشك في أنه يجهل أن السيسي جاء بصفقة أوربية أمريكية إلى كرسي الحكم المصري. التصفيق يذكّر بحكاية وفيها: أن الأسد والذئب والثعلب خرجوا يوماً للصيد، فاصطادوا بقرةً وغزالةً وأرنب، فقال الأسد للذئب: كيف نقسم هذا الصيد بيننا يا سيادة الفريق؟

فقال الذئب للأسد الجنرال: الحصة على قدر الجثة؟  أنت أيها الأسد الجنرال أكبر جثة، فالبقرة لك، والثعلب أصغر، فالأرنب له، وأنا متوسط، فالغزالة لي، فغضب الأسد، ولطم الذئب لطمة فقئت منها عينه، فالتفت الأسد إلى الثعلب، وكان يعمل محللاً سياسياً، وقال له: ما رأيك أيها الثعلب؟

فقال الثعلب: أيها الأسد أنت سيدنا وملكنا وحافظ البلاد وضمانة الأمن والاستقرار، الأرنب فطورك، والبقرة غذاؤك، والغزال عشاؤك. ونحن نصفق لك على كل وجبة.

 فقال الأسد: من أين تعلمت هذه الحكمة والقضاء الشامخ؟

فقال الثعلب، وعينه على صفقة يشتري بها عينه: من عين الذئب.

قال الخبر: القمة ضمّتْ ثلاثة آلاف شخصية سياسية، في "مدينة السلام" على البحر الأحمر، بهرهم حسن التنظيم، ونضيف: والتصفيق. يبقى أن نقرّ بأن الرئيس المصري يستحق التصفيق من صحافييه الذين يخافون على أعينهم من "نور عينينا"، فهي المرة الأولى والوحيدة التي اعتزَّ فيها بميراث مصري شرقي أمام الغرب وجهاً لوجه!

أهنئه على هذا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024