اميركا وايران..شرط العقوبات

حسن فحص

الأحد 2019/09/01
يبدو ان زخم الجهود الفرنسية على خط الازمة الايرانية الاميركية مازال في اعلى مستوياته من اجل التوصل مع طهران الى آلية تسمح بفتح كوة في القرار العقوبات الاميركية بموافقة الرئيس دونالد ترامب، وقد ظهرت بوادر تحقيق هذا الامر في المحادثات التي اجراها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع نظيره الاميركي دونالد ترامب على هامش قمة G7 في مدينة بيارتيز عندما ابدى ترامب ليونة في امكانية اعادة النظر في العودة الى قرار منح بعض الدول اعفاءات لاستيراد النفط الايراني من دون توضيح كيفية تلبية الشرط الايراني في الحصول على عائدات بيع هذه الكميات من النفط المالية، وهو على مايبدو ايضا متروك للمفاوضات التي سيقوم بها الوفد الاقتصادي الايراني الذي سيزور العاصمة الفرنسية الاسبوع المقبل لبحث تفعيل الالية الاوروبية للتعامل المالي مع ايران وكيفية الدفع بالتفاهمات الاولية التي توصل اليها وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف خلال زيارته الجدلية الى باريس وبيارتيز الاسبوع الفائت. 

اصرار ماكرون على انجاح الجهود الفرنسية بين ايران واميركا عبر عنه الاتصال الهاتفي الذي اجراه مع نظيره الايراني حسن روحاني والذي يعتبر الاتصال السابع خلال الاسابيع القليلة الماضية، وهو اتصال لم يكن مقتصرا على بحث العلاقات الاقتصادية ومآلات الجهود التي بذلها للتقريب بين الطرفين والحد من تصاعد التوتر بينهما وامكانية تحقيق خرق في جدار العقوبات، فضلا وفتح الباب امام امكانية عقد لقاء بين الرئيسين، بل كشف هذا الاتصال عن الملفات التي تشكل هاجسا لدى الرئيس الفرنسي ومن ورائه الدول الغربية خصوصا الولايات المتحدة، وهذه الهواجس شملت كل الملفات الاقليمية المتوترة التي تشكل مناطق نفوذ ايراني وساحات تدخل لذراعها العسكري المتمثل في فيلق القدس، من لبنان والتوتر المستجد بين حزب الله واسرائيل على خلفية الاعتداءات الاخيرة، مرورا بالعراق وسوريا، وصولا الى اليمن ومحاولة تثمير البوادر التي تتحدث عن لقاءات تمهيدية بين الحكومة السعودية وممثلين عن جماعة الحوثي لبحث امكانية التوصل الى حل سياسي في اليمن، خصوصا بعد الرسالة الواضحة التي اوصلتها طهران الى كل الدول المعنية بالازمة اليمنية عندما استقبلت وفدا حوثيا ووافقت على تعيين سفير لهم في طهران، فضلا عن اللقاء الموسع الذي استضافته الخارجية الايرانية بين الحوثيين وسفراء الترويكا الاوروبية ( فرنسا والمانيا وبريطانيا) بالاضافة الى السفير الايطالي او ما يعرف بمجموعة E4 والذي انتهى الى نتائج ايجابية عبر عنها خلف الكواليس السفير البريطاني روبرت ماكاير في حديثه مع علي اصغر خاجي، معاون وزير الخارجية في المسائل السياسية الخاصة عندما قال له "لقد اجبرتمونا على الاعتراف بالحقيقة". 

هذه التطورات قد تجعل من امكانية ان يأتي يوم يستفيق فيه العالم على قرار من الرئيس الاميركي يعلن فيه ان ادارته قد قررت انهاء والغاء كل العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها على ايران بعد انسحابها من الاتفاق النووي الموقع بين ايران ومجموعة دول 5+1. وان هذا القرار جاء نتيجة نشاط حثيث لدبلوماسية الخفاء التي انطلقت بعد الثامن من يوليو 2018 تاريخ اعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق. 

هذا القرار قد لا يكون مستبعدا، لانه لا يدخل تحت عنوان "السيناريو المستحيل"، وذلك بناء على رغبة الطرفين في حصوله عاجلا ام اجلا، الا ان كل طرف منهما يريد ان يحمل له اي اتفاق جديد المزيد من المكاسب السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، ليس على حساب بعضهما البعض الاخر، بل على حساب اطراف اخرى تدخل في اطار الدول المتضررة من  اتفاق كهذا وبنسب متفاوتة. 

واذا ما كانت كل الدوائر المعنية بالازمة الاميركية الايرانية تقر ضمنا بان مسار الازمة في تصاعدها وتراجع حدتها محكوم في النهاية بحتمية توصل الطرفين الى اتفاق اذا ما كانا يريدان تجنب حرب مدمرة وغير محسومة النتائج والتداعيات، الا ان الامال الايرانية المعقودة على التمسك بشرط رفع كل العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب قد يبدو كمثل السير وراء السراب، خصوصا وان العودة الى الاتفاق النووي تعني رفع العقوبات المتعلقة بهذا البرنامج، نظرا لان الاتفاق لم يلحظ او يشترط رفع العقوبات المتعلقة بموضوعي الارهاب وحقوق الانسان، من هنا فان جميع العقوبات التي فرضتها ادارة ترامب جاءت تحت عنوان التهديد الارهابي ودعمه وانتهاك حقوق الانسان، حتى انها عمدت عبر وزارة الخزانة الى تهريب جزء من العقوبات التي فرضت على قطاعي الفولاذ والحديد والالمونيوم كجزء يستخدم في تطوير البرنامج النووي وادرجتها تحت عنوان الارهاب وحقوق الانسان، حتى ان العقوبات الاخيرة التي فرضتها على ناقلة النفط "ادريان دريا" جاءت تحت تصنيف دعم قوات حرس الثورة المصنفة جماعة ارهابية، وهذا المبدأ ينطبق على العائدات المالية لبيع النفط في حال قرر الرئيس رفع الحظر عن بيعه بشكل جزئي، لانه يدخل في اطار الاستخدام في دعم انشطة ارهابية لايران وحرس الثورة في المنطقة.

لذلك قد لا يكون مستبعدا ان يتخذ الرئيس الاميركي مثل هذا القرار، ومن الطبيعي ان تبدي طهران عدم اكتراث كبير في الرهان على ذلك مع واشنطن، بانتظار التوصل الى خطة عملية تلتزم بها الترويكا الاوروبية بتطبيق مبادرتها في اطلاق آلية التعامل المالي مع ايران كخطوة تسمح لطهران في التخلي عن مسار تقليص التزاماتها بالاتفاق النووي وعدم الانتقال الى المرحلة الثالثة في هذا الاطار. وهي تعتقد ان اي تقارب او لقاء او تفاوض مباشر بينها وبين واشنطن لا بد ان يمر في مسار طويل من المباحثات للحصول على قرار اميركي يصدر عن الكونغرس الاميركي والرئيس مجتمعين، يرفع جميع العقوبات المفروضة على ايران بتهم الارهاب وحقوق الانسان، ويمهد الطريق لفتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما وحتى تبادل العلاقات الدبلوماسية، التي يبدو ان طهران باتت مقتنعة بضرورتها من اجل الحفاظ على موقعها ودورها في منطقة غرب آسيا وتحديدا الشرق الاوسط موضوع الصراع مع واشنطن وعواصم المنطقة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024