8 شهور عجاف

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/09/16
بين الإنتخابات الإسرائيلية وتشكيل الحكومة المقبلة خلال أسابيع، من جهة، وبين اختيار المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية مطلع حزيران (يونيو) المقبل، 8 شهور لا يُمكن وصفها بأقل من خطرة ومصيرية لمنطقة الشرق الأوسط.

ذاك أن الخطوات المُقررة، لا المتوقعة، وحدها كافية للخروج بهذا الاستنتاج. من المقرر إعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد الانتخابات المقبلة، في حال فوزه بها، ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، بما يجعل قيام دولة فلسطينية عليها "مزحة ثقيلة". ومن المقرر أيضاً مناقشة اتفاقية للدفاع المشترك بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بما يُعزز المأزق الفلسطيني، وقد يُحول الولايات المتحدة بجبروتها، إلى إحدى القوى التنفيذية للإحتلال الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

ومن المقرر أيضاً إعلان الولايات المتحدة الشق السياسي من خطتها المعروفة بإسم "صفقة القرن"، بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية المقبلة. ووفقاً لنتنياهو، تضم الخطة إقراراً بسيادة إسرائيل على مستوطنات الضفة الغربية فيها. وكما سبق أن أشار السفير الأميركي في اسرائيل ديفيد فريدمان، تُحضر الولايات المتحدة للإعتراف بالسيادة الإسرائيلية على المستوطنات، وهذه خطوة تبدو شبه محسومة.

هذا من الجانب الأميركي. في جُعبة الإيرانيين أيضاً ردود أفعال وحسابات متسارعة. لا يقدر الجانب الإيراني على ابتلاع العقوبات الأميركية، والوقت يُداهم طهران سريعاً. بحسب تقديرات أسواق النفط، تتراوح المبيعات الايرانية بين مئة وبضع مئات آلاف البراميل يومياً بعدما وصلت الى ثلاثة ملايين قبل العقوبات الأميركية.

من الصعب على إيران مواصلة تحمل هذا الواقع المالي، وأيضاً من غير المتوقع قبولها بالشروط الأميركية واعادة التفاوض على دورها في المنطقة، لأن من شأن ذلك أن يُؤثر بالداخل الإيراني. لذا فإن المبادرة الفرنسية الحالية تُوفر حلاً وسطاً مقبولاً للجانب الإيراني، من خلال السماح لطهران ببعض الصادرات النفطية، وقرض بالدولار، مقابل التهدئة نووياً واقليمياً، ريثما تأتي الانتخابات الرئاسية الأميركية وتتضح الصورة المقبلة.

لكن وبما أن ثمار المبادرة الفرنسية لم تر الضوء، يبقى التصعيد العسكري هو الخيار الوحيد، بانتظار الرد الأميركي-الاسرائيلي. رغم عدم رغبة ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الدخول في مواجهة عسكرية، ليس مستبعداً تنفيذ ضربات جوية سريعة بعد نهاية الانتخابات الاسرائيلية وتشكيل الحكومة المقبلة. ذلك أن الجانب الايراني يُعيد المشروع النووي لما كان عليه قبل توقيع الاتفاق النووي عام 2015، عندما كانت المهل متتالية.

ربما لهذا السبب يشد الإيراني عصب حلفائه، في العراق وفي لبنان حيث أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، بلا مواربة أن المرشد علي خامنئي هو الإمام الحسين في هذا الزمن، وهو قائد المعسكر، وبالتالي فإن على "المؤمنين" طاعته وتنفيذ أوامره والدفاع عنه. في الظروف العادية، كان "حزب الله" يُحاول جاهداً ايجاد توليفة أو تبريرات محلية لأي تصعيد، على أساس الدفاع عن لبنان، ومواجهة الاحتلال. لكن الخطاب الأخير لنصر الله، كان شديد الوضوح في خيار الوقوف مع إيران والخضوع لقيادتها بهذه المواجهة. لا بل تقصد التوكيد على مدى التضحية في سبيل إيران، حتى لو كانت الحرب تعني "أنّ نُقتل، ثم نحرق، ثم نُنشر في الهواء، ثم نحيا، ثم نقتل، ثم نحرق، ثم ننشر في الهواء. يُفعل بنا ذلك ألف مرة، يَفعل بنا الأميركيون والصهاينة ذلك ألف مرة، ما تركناك يا ابن الحسين (خامنئ)".

خيار المواجهة بات أوضح اليوم مع تعثر المبادرة الفرنسية. وكما قال أحد حلفاء التنظيم، والناطقين عادة باسمه، سيؤدي فشل المبادرة الفرنسية إلى "نتائج كارثية"، لأن ايران وحلفائها يُفضّلون "الحرب على الاستسلام لحرب التجويع الأميركية". 

والحرب هنا، كما كل مرة، ستحط علينا كواجب لم نختره أو نتباحث بشأنه، بل نتيجة حسبة دينية لا اجماع عليها حتى داخل الطائفة نفسها. اللبنانيون اليوم بين سيفين أميركي وايراني، وعلينا التفكير اليوم بعبارات جديدة في توصيف حالة المريض اللبناني الذي بات في حالة لا إرادية، يفقد التحكم تدريجياً بكيانه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024