طهران-الرياض:وساطات متلاحقة

حسن فحص

الأحد 2019/10/13
تشهد منطقة غرب آسيا حدثين سياسيين مفصليين ومهمين لجهة ارتباطهما بالازمات التي تشهدها هذه المنطقة خصوصا في الجزء الشرق اوسطي منها، والحدثان هما، الزيارة التي يقوم بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الى العاصمة الايرانية طهران يوم الاحد 13 تشرين اول/ اكتوبر 2019، والزيارة التي يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرحلة الاولى منها يوم الاثنين 14 اكتوبر من العاصمة السعودية الرياض، على ان تكون مرحلتها الثانية يوم الثلاثاء 15 اكتوبر في العاصمة الاماراتية ابو ظبي. 

هذا الحراك الذي تقوم به موسكو واسلام آباد باتجاه الرياض وطهران، وعلى الرغم من انه يأتي في ظل تطورات غير مسبوقة يشهدها الملف السوري بعد القرار التركي الدخول الى مناطق شرق الفرات في معركة مفتوحة مع التشكيلات الكردية وغموض التداعيات التي قد تنتج عنه، يصب في مساعي كل الاطراف المعنية في الانتقال الى مرحلة جديدة لبناء تفاهمات ثنائية تخفف من تصاعد التوتر وسحب فتيل اي مواجهة محتملة بسبب التداخل في الملفات الاقليمية التي تعني هذه الاطراف. 

زيارة عمران خان الى طهران تأتي في اطار مهمة واضحة سبق ان كشف عنها الشهر الماضي خلال اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة، وهي تلبية الرغبة التي اسرها له ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان للقيام بعملية "جس نبض" الجانب الايراني لاطلاق مسار حواري وتفاوضي بهدف تخفيف التوتر بين البلدين والتمهيد للتوصل الى تفاهمات حول الملف اليمني بما يساعد على اطلاق حل سياسي يضع حدا لحالة الاستنزاف القائمة منذ سنوات. ولعل الاهتمام الايراني بالزيارة الباكستانية تكشف عمق الرغبة الايرانية في تحقيق تقدم ملموس على خط الحوار مع الرياض، وهذا ما يكشفه برنامج لقاءات عمران خان في طهران، اذ تم تحديد موعد مسبق له مع المرشد الاعلى للنظام آية الله علي خامنئي الذي يملك القرار النهائي ورسم السياسات الخارجية والاستراتيجية للنظام الملزمة للحكومة وادارة الرئيس حسن روحاني، ما يعني ان الجانب الايراني يريد تحميل الضيف الباكستاني رسائل ايجابية باتجاه الرياض التي سيزورها بعد طهران. 

وعلى الرغم من اهمية الدور الباكستاني او ما يمكن تسميته "الوساطة" بطلب سعودي، والتي تعتبر الاكثر جدية بين كل الجهود التي بذلتها اطراف اخرى عربية ودولية على هذا المسار، الا انه من غير الممكن الجزم بانها ستكون القادرة بمفردها على تحقيق خرق على مسار هذا الصراع الحاد بين الرياض وطهران والذي لا يقف عند حدود الازمة اليمنية، بل يتعداها الى مجمل ملفات العالمين العربي والاسلامي. .

من هنا، تحظى زيارة الرئيس الروسي الى المملكة العربية السعودية باهمية استثنائية في اطار المساعي والجهود المبذولة على خط تخفيف التوتر والعمل على التقريب بين الرياض وطهران، من دون التقليل من اهمية الملفات الاخرى التي يحملها بوتين في هذه الزيارة والتي سضعها على طاولة البحث مع المسؤولين السعوديين، وقد يكون على رأسها الرغبة الروسية في تعزيز الاستثمارات السعودية في الاقتصاد الروسي والطموح بان تتجاوز مستوى العشرين مليار دولار، ولعل اول المؤشرات على ذلك القرار السعودي الذي استبق الزيارة باستثمار 10 مليار دولار في صندوق الاستثمارات الروسي. 

الى جانب البعد الاقتصادي، فالزيارة الروسية ستشكل نقلة نوعية في تقريب المواقف بين الرياض وطهران، وهي جهود بدأتها موسكو مبكرا من خلف الكواليس، فكانت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في العاشر من سبتمبر 2017 المحطة الابرز على هذا المسار في وقت كانت حدة التوتر بين البلدين لا تشي بامكانية نجاح اي جهود للحل او فتح قنوات حوار بينهما. 

المبادرة الروسية أتت منذ البداية بناء على رغبة ايرانية في فتح قنوات الحوار مع الرياض تشمل كل الملفات المشتركة بينهما والتي تشكل ساحة صراع وتنافس، فهي في هذا الاطار ابدت اشارات ايجابية في موضوع الانفتاح العراقي السعودي، ولم تسع لعرقلته انطلاقا من اعتقادها باهمية المردود الاقتصادي والامني والسياسي الذي سينعكس على الوضع العراقي بما لا يؤثر على حجم نفوذها السياسي. اما في الملف السوري والذي يشكل هما ايرانيا روسياً مشتركا، فطهران تدرك صعوبة الانتقال الى مرحلة الحل السياسي من دون مواقفة جميع الاطراف المعنية بهذا الملف، وتقف السعودية في مقدمهم على المستوى العربي وتأثيرها على الموقف الاميركي. 

ولعل البعد الاهم في الرغبة الايرانية لاطلاق هذا الحوار، بعيدا عن الملف اليمني الذي يشكل الاولوية لدى طهران، ينطلق من محاولة طهران عزل الموقف السعودي على المستوى الاقليمي عن الازمة بين طهران والولايات المتحدة، اذ تعتقد القيادة الايرانية ان تحييد الموقف السعودي والتوصل الى تفاهمات مع الرياض حول مختلف الملفات العالقة بينهما يسهم في اضعاف الموقف الاميركي المتشدد ضد ايران، وهذا ما برز بوضوح من خلال الاصرار الايراني على التصويب باتجاه الرياض في كل خطوة تصعيدية اميركية ضد ايران، ان كان على مستوى التحركات العسكرية او على مستوى تشديد العقوبات الاقتصادية. 

الرئيس الروسي سيحمل معه للرياض ضمانات بتعاون ايراني وتفاهمات تساهم في تخفيف حدة القلق السعودي من الطموحات الايرانية النووية والصاروخية والاقليمية، ستعززها الرسائل الايجابية التي سيحملها عمران خان معه من ايران، وهي جهود تلتقي مع الرغبة السعودية في وضع حد لاستنزاف الملف اليمني، والتي يبدو انها باتت اقرب الى التحقق اكثر من اي وقت مضى ، وقد تساعد في اطلاق عملية سياسية تشمل كل الملفات الاقليمية بما قد يجبر الجانب الاميركي على المشاركة فيها خصوصا في ظل الازمة السياسية الداخلية التي يواجهها الرئيس دونالد ترامب وضيق المساحة الزمنية التي تفصله عن انشغاله التام بالحملة الانتخابية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024