حسان دياب يخاطب واشنطن

مهند الحاج علي

الجمعة 2020/05/22
أسابيع قليلة فصلت بين إعلان نعيم قاسم نائب الأمين العام لـ"حزب الله" عدم الخضوع لصندوق النقد الدولي ووصايته على القرار اللبناني، في 25  شباط (فبراير) الماضي، ومن ثم طلب الحكومة اللبنانية برئاسة حسان دياب مساعدة هذه المؤسسة. تحمل هذه الأسابيع دلالات عديدة عن الواقع اللبناني، وقدرات الصمود أمام المطالب الدولية، أكانت اقتصادية، إصلاحية، أم سياسية وعسكرية وأمنية. حقيقة أن أسابيع قليلة فقط تفصل بين موقفين متناقضين لـ"حزب الله"، لم تكن خطأ في التقدير فحسب، بل عنواناً للمرحلة المقبلة.

لم يعد "حزب الله" قادراً على التأثير بمسار الوضع اللبناني بالمستوى نفسه. بل أكثر من ذلك، من الصعب قراءة تصريحات الحزب بالجدية نفسها. قدرة الحزب وشبكة تحالفاته ورهاناته الإقليمية تتصدع. ولا بد أن نرى مزيداً من التناقضات والتباعد بين تصريحات "حزب الله" وسياساته المعلنة، من جهة، وأرض الواقع من جهة ثانية.

خلال أسبوع، خرج الأمين العام للحزب حسن نصر الله وبعده نعيم قاسم، بحديث عن ضرورة الالتفات شرقاً، باتجاه سوريا والعراق (وايران خلفهما) وانشاء علاقات سياسية متينة، من شأنها انتشال لبنان من واقعه الاقتصادي والمالي المرير. الانفتاح على الشرق، كما قال قاسم مطلع هذا الأسبوع - وكأنه يتلو كلمات من كتاب "ألف ليلة وليلة" - سيضمن التخلص من "آفات التحكم الغربي".

في الأسبوع ذاته، قرر رئيس الحكومة حسان دياب اللجوء الى صحيفة "ذي واشنطن بوست" الأميركية من أجل مخاطبة الولايات المتحدة والعالم، كاشفاً عن أزمة غذائية تلوح في أفق لبنان، وطالباً المساعدة.  لم يقرر دياب المُتشبه بسليم الحص، كتابة مقاله المذكور في صحيفة "طهران تايمز" الإيرانية أو "تشرين" أو "البعث" السورية، بل اختار بعناية "ذي واشنطن بوست" لأن الساسة الأميركيين يقرأونها، وبالتالي بإمكانه مخاطبتهم.

وكلام دياب ووجهته، ومعه تصريحات لمسؤولين في "التيار الوطني الحر" بحق حليفهم "حزب الله" ومقاومته، شواهد أخرى على التصدعات في هذا الجدار. وهي ستزداد مع الضغوط الأميركية باتجاه تغيير سياسي من بوابة الاقتصاد.

ذاك أن ديفيد شينكر مساعد ​وزير الخارجية​ الأميركي لشؤون ​الشرق الأوسط، لم يُخفِ ربط واشنطن بين الإصلاح الاقتصادي المطلوب من المؤسسات المالية الدولية، والإصلاح السياسي المنشود. الأول، قال شينكر في تصريحاته الأخيرة، يقود تلقائياً الى الثاني. 

وواشنطن تنوي استخدام الدفعات المرتقبة لصندوق النقد الدولي إلى لبنان، من أجل تحقيق تقدم على مستوى التبدلات السياسية. يتوقع صندوق النقد، ومن ورائه الولايات المتحدة، "إصلاحات" مقابل كل دفعة، تطال قطاعات حيوية مثل الاتصالات​ و​الطاقة​، والمرافئ و​الجمارك​، "وكل الحدود اللبنانية".

عملياً، سيطالب "صندوق النقد الدولي" بإجراءات حدودية مشددة، وهي خطوة متناقضة تماماً مع المطالبة بتعزيز العلاقات السورية اللبنانية. على العكس، ستُؤدي الضغوط الأميركية والدولية الى المزيد من التشدد على الحدود بين لبنان وسوريا.

في المقابل، ستسعى الولايات المتحدة الى تحريك ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، بصفتها مدخلاً للاستثمار الضروري في البلوكين 9 و10 و"هما الأكثر ربحاً، وعلى تماس مع الآبار الإسرائيلية"، بحسب شينكر.

وهذا المسار سيُسرع وتيرة التناقضات بين عالم التصريحات والواقع. قريباً، قد نفيق على تصريح ناري، وننام على نقيضه، تماماً كما يتلاعب بنا سعر الدولار في السوق الموازية. حينها، قد تحتاج المواقف السياسية الى منصة الكترونية لضبطها وسط كل هذه التناقضات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024