موسكو تصارح الأسد: احذر!

إياد الجعفري

الأحد 2021/02/14
يبدو وكأن دبلوماسيي روسيا تعلموا من دروس نظرائهم البريطانيين، حيال كيفية التعامل مع الأنظمة المستبدة الحليفة لدولهم، في مواجهة مخاطر الانهيار لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. فتصريحات السفير الروسي في دمشق، ألكسندر يفيموف، التي أدلى بها لوسائل إعلام روسية، يوم الخميس، هي أشبه بمصارحة مكشوفة لرأس النظام شخصياً. مفادها، أن عليك أن تحذر من التداعيات المحتملة لتدهور الوضع المعيشي غير المسبوق لشعبك، بصورة قد تجعل الأمور تخرج عن السيطرة. وأن عليك، ألا تتأمل كثيراً في تغيّر نوعي بالسياسة الأمريكية حيالك، في عهد بايدن، فالضغوط الأمريكية – الاقتصادية على نظامك، ستستمر. وأن موسكو لن تستطيع تقديم مساعدة اقتصادية نوعية لك.

حديث يفيموف عن وضع اقتصادي واجتماعي هو الأصعب في سوريا، يكتسي أهمية كبيرة، لثلاثة أسباب، الأول يرتبط بشخص المتحدث، فهو دبلوماسي هادئ، اعتاد العمل من وراء الكواليس، ومن دون كثيرٍ من الضجيج، خاصةً الإعلامي منه. والثاني يرتبط بالتوقيت، فالأسد المنشغل بمساعي التمديد له لولاية رئاسية جديدة، لا يريد أي منغصٍ للعملية "الانتخابية" المرتقبة، ومن هذا المنطلق، يبدو أن الهم المعيشي للسوريين هو آخر انشغالاته، أو ربما، آخر ما يريد الإطلاع عليه، فيما تتفاقم حالة الفاقة في أوساط شريحة واسعة من السوريين، بإضطراد. أما السبب الثالث، فيرتبط بطبيعة صلاحيات يفيموف، فالرجل ليس سفير روسيا في دمشق، فقط، بل هو مبعوث رئاسي خاص يمثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في العاصمة السورية، منذ أيار/مايو 2020. وكانت تسميته بذلك المنصب، حينها، إيذاناً بانتقال مركز ثقل السياسة الروسية في الملف السوري من قاعدة حميميم، إلى السفارة الروسية بدمشق، وتعبيراً عن تحول التركيز الروسي في سوريا، من الشأن العسكري إلى الشأن الاقتصادي تحديداً. وكان ذلك يتعلق بصورة رئيسية بتهيب موسكو من آثار قانون "قيصر" على الاقتصاد السوري المتهشم. فتسمية يفيموف مبعوثاً لبوتين في دمشق، جاءت قبل أسابيع فقط من دخول قانون العقوبات الأمريكي حيز التنفيذ في حزيران/يونيو الفائت. كما أن تسمية يفيموف حينها، تزامنت مع خروج الصراع بين رأس النظام وابن خاله، رامي مخلوف، إلى العلن، بصورة أنذرت باحتمال تصدع البيت الداخلي للنظام.


هذا التصدع الذي تخشاه روسيا، لم يحصل حتى الآن، لكن مبرراته لم تختفِ، بل ربما تفاقمت. وزاد عليها اتجاه واضح في سياسة رأس النظام، لتجاهل التدهور المعيشي للسوريين، فكان طرح ورقة الـ 5 آلاف ليرة سورية، قبل أسابيع، لتمويل العجز في الموازنة، والنتائج التضخمية الكبيرة التي تلت ذلك، وصولاً إلى تسجيل سعر صرف الليرة السورية أدنى مستوى في تاريخه على الإطلاق، بالتزامن مع ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية. في الوقت ذاته، تتزايد الدعوات "الافتراضية" لحراك في الساحل السوري، ببصمات علنية لـ رامي مخلوف، تحت اسم "رابطة مؤيدي راماك التنموية الخيرية"، وهي المؤسسة التي تمثّل الذراع الاجتماعي لـ مخلوف، والتي كانت تقدم مساعدات لفقراء الطائفة العلوية، بصورة خاصة، قبل أن يطالها صراع الأسد - مخلوف. ويتزامن كل ذلك، مع اتساع النفوذ الاقتصادي لـ "أمراء الحرب"، بضوء أخضر من الأسد نفسه، للاستيلاء على كل مصادر الإثراء الممكنة في البلاد. وبهذا الصدد، يبدو لافتاً للانتباه، الدور المتزايد لـ "خضر علي طاهر"، المعروف بـ "أبو علي خضر"، إحدى الواجهات الاستثمارية لـ "الأسد وعقيلته"، والذي يمثّل إحدى تجليات الصراع مع رامي مخلوف، على النفوذ داخل الطائفة العلوية.


في ضوء كل ما سبق، يأتي حديث يفيموف، بوصفه رسالة للأسد شخصياً. فالدبلوماسي الروسي -الذي سبق أن حقق نجاحات مشهودة في تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الإمارات وروسيا، خلال سنوات تعيينه سفيراً لبلاده في أبوظبي، بين عامي 2013 و2018، قبل أن ينتقل إلى العاصمة دمشق- فشل حتى الآن في تحقيق غاية روسيا الأساسية في الملف السوري بالوقت الراهن، وهي تجنب المزيد من التدهور الاقتصادي، كنتيجة لسنوات الحرب والعقوبات الغربية.


ويقرّ يفيموف، في حديثه، بصورة لافتة، أن التدهور الاقتصادي في سوريا، ليس نتيجة العقوبات فقط، بل هي "عواقب الحرب"، التي تظهر "أكثر فأكثر، كل عام". وفي وضع كهذا، يتطلب الأمر من إدارة النظام السوري أن يكون جُلّ اهتمامها منصباً على الشأن الاقتصادي تحديداً، بدلاً من الانشغال بتعزيز حاجز الخوف في أوساط السوريين، عبر اعتقال كل من يتواصل مع وسائل الإعلام الخارجية بالداخل، أو الضغط لتهديم وقف إطلاق النار الهش على تخوم إدلب، أو الإصرار على احتكار كل مصادر الإثراء الممكنة في البلاد، حتى  لو كان ذلك يعني الدفع نحو صراع في البيت الداخلي "العلوي".


إنها الدروس التي تعملتها الدبلوماسية البريطانية جراء فشلها في التنبؤ بانهيار نظام الشاه الحليف لها بإيران، في ثورة العام 1979. وهي دروس كشفت عن تفاصيلها وثائق الخارجية البريطانية، التي نشرت "بي بي سي" تقارير بخصوصها. فمن بين 6 ملامح كان يتصف بها نظام الشاه بإيران، قبيل الثورة، تتجلى 4 منها في نظام الأسد، وهي الاعتماد الرئيس في تأمين نظام الحكم وبقائه، على القادة الكبار في القوات المسلحة. واختيار الوقت غير المناسب لتطبيق برامج التحرر الاقتصادي – نظام الأسد يرفع الدعم بسرعة كبيرة عن أبرز المواد الأساسية -، وتغول أجهزة المخابرات، واستشراء الفساد بصورة هائلة. 


ومن أبرز النتائج التي خلصت إليها الدبلوماسية البريطانية من مراجعة أخطائها مع نظام الشاه، ضرورة النقاش الصريح مع النظام الحليف، والاستماع إلى مخاوف المعارضين، وعدم الرهان على استقرار هذه الأنظمة. 


هي دروس، يبدو أن الدبلوماسية الروسية استوعبت بعضها. وهكذا أراد يفيموف أن يصارح رئيس نظام مستبد حليف، خشية فقدانه الاستقرار بشكل مفاجئ. ما يعني أنه لا يجب الرهان أبداً، على استقرار نظام الأسد.



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024