صحافة بلا حريات لدولة فاسدة

مهند الحاج علي

الجمعة 2017/02/17

 

ليس مشهد عقاب قناة الجديد والزملاء فيها على برنامج ساخر، محصوراً بالحدث. كانت الوقائع فجّة. كانت مؤسسة اعلامية أساسية في البلد تتعرض لإعتداء مبرمج على الهواء، أمام قوة أمنية خجولة. في اليوم التالي، رغم توافر الصور والمعلومات، غابت الدولة أيضاً عن ملاحقة المطلوبين في تدمير ممتلكات خاصة وترهيب مؤسسة صحافية. 

باختصار، كان استخدام مباشر وبلا مواربة للقوة الموجودة لأحد أبرز أركان السُلطة في لبنان. إستعرض قوتين في آن.

أولاً، ادانة المجلس الوطني للإعلام، قناة ”الجديد“، أي ضحية الاعتداء. رغم أن الحدث بات أكبر من ”سكتش“ قصير على التلفزيون، وبات يتعلق بهجمة على الإعلام وحرياته ككل، وضع رئيس المجلس الوطني للإعلام قناة ”الجديد“ في خانة المُذنب. فاجأنا لأننا توقعناه أن يغيب فقط. ليس سراً أن الطبقة السياسية وضعت يدها على النقابات والهيئات الإعلامية قبل غيرها وأكثر، إلا أن هذا الاستخدام الصريح والمباشر، يُبرز وعياً مسبقاً لوظائفها لم نلمسه بهذه الصراحة. هي غالباً غائبة، لكنها لو حضرت، تحضر إلى جانب السُلطة، لا الصحافي. 

ثانياً، كان الاعتداء تلويحاً مُباشراً بالعنف. وهذه ورقة أخيرة عادة للسياسيين اللبنانيين. اجمالاً، يلجأ السياسيون الى التحقيقات الأمنية، أو محكمة المطبوعات للضغط على الصحافيين. بيد أن قضية واحدة بتكاليفها وتحقيقاتها الأمنية والقضائية كافية لوقف اندفاعة أي صحافي، وغرس شتلة رقابة ذاتية في عمله. 

السياسيون يُلمحون دوماً إلى تأثيرهم في جسمنا القضائي، مثله مثل بقية المؤسسات. أتذكرون تطيير نِصاب ”المجلس الدستوري“؟ كان الإعلام حينها يتحدث عن ”لعبة النِصاب“ بين السياسيين، أي أنهم كانوا يُقررون من يحضر الجلسة، ويملكون زمام تطييرها بتغييب محسوبين عليهم. السياسي الفلاني يمون على القاضي الفلاني ويطلب منه عدم الحضور. هكذا بكل بساطة وسلاسة. 

لذا عندما يستدعى صحافي إلى تحقيق أمني في قضية تخص أحد الزعماء السياسيين الكبار، نشعر بأن المحقق مُحققه. وفي المحكمة، إن لم يكن القاضي قاضيه، يُراعيه إما خوفاً أو إحتساباً. ولم نر نتائج ايجابية سوى في حالات قليلة جداً. وحتى حينها، تترك المحاكمة الطويلة الأمد أثرها في الصحافي، ولو خرج منتصراً.

وأي دولة فيها اعتبار للحريات واحترام لها، يلعب القضاء دوراً لحماية الصحافيين والمدونين، حتى لو كانوا مخطئين، من خلال منع استهدافهم بتهم صغيرة، مثل مشاركة مقال، أو التدوين عن فضيحة وأزمة نواجهها، سيما أننا في بلد ارتكب ويرتكب حكامه شتى أنواع المخالفات، ويتشدقون أحياناً بها على شاشات التلفزيون.

كيف يُعقل مثلاً أننا لم نشهد لسنوات طويلة محاكمة حقيقية لمسؤول في بلد صنّفته  مؤسسة ”الشفافية الدولية“ قبل شهرين ضمن أكثر الدول فساداً (المرتبة 136 من أصل 175، الى جانب دول مثل نيجيريا والكاميرون)؟ أيُعقل أن يُحاكم عشرات الصحافيين سنوات طويلة، وينام بعضهم في زنازين التحقيقات، ولا يُنظر في جرائم مسؤول عن هدر المال العام وتراكم الدين والفشل الذريع في مجال الخدمات؟ 

الإجابة دائماً هي أننا هدف سهل، لا بل الأسهل. لن يُحاسب من يستهدفنا، بل الأرجح أن مكافأة ما تنتظره في الأدراج.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024