خامنئي عندما ينتقد روحاني

حسن فحص

الأربعاء 2019/04/17
واجهت ايران في الاسابيع الاخيرة أسوأ كارثة طبيعية جراء الامطار والسيول التي اجتاحت العديد من المحافظات الشمالية والغربية والجنوبية، وأدت الى تدمير المواسم الزراعية وتهديم العديد من الطرق والجسور والسدود، واغراق العديد من القرى وتدمير البيوت وتهجير السكان من منازلهم ومناطقهم.

في بداية الازمة، تعرض رئيس الجمهورية حسن روحاني لموجة من الانتقادات القاسية من قبل الرأي العام الشعبي والسياسي، واتهامه "بالاستهتار وعدم الاهتمام" بما تشهده ايران من كوارث، وذلك على خلفية إصراره على إكمال "اجازته" بمناسبة السنة الايرانية الجديدة والبقاء في جزيرة قشم في مياه الخليج، من دون ان يبادر الى قطع هذه الاجازة والعودة الى العاصمة لمتابعة التطورات ووضع الخطط الحكومية لمواجهة نتائج السيول والفيضانات المدمرة.

وقد اثار روحاني موجة من الاعتراضات والانتقادات بسبب المواقف التي اطلقها ضد بعض الاجراءات التي قامت بها وحدات من حرس الثورة لمعالجة آثار فيضانات شهدتها محافظات الشمال "كلستان"، وهي التي بادرت للتدخل من دون العودة الى الحكومة وبأوامر مباشرة من مرشد النظام بالتزامن مع القرار الامريكي بوضع هذه المؤسسة العسكرية على لائحة المنظمات الارهابية الامريكية، ما دفع حتى بعض مستشاريه الى توجيه نصائح علنية له بعدم الدخول في هذه المماحكات في ظل الظروف التي تمر بها ايران، ودعوته لاتخاذ خطوات عملية حكومية لمساعدة المتضررين بدل الاكتفاء بتوجيه النقد للجهات التي بادرت الى العمل الاغاثي من دون انتظار قرارات الحكومة.

اول مؤشرات امتعاض المرشد من بطء عمل حكومة روحاني وتأخرها في المبادرة لمعالجة آثار الكارثة الطبيعية جاءت بعد خمسة ايام من غياب روحاني عن مشهد المعالجة، وقد صدرت عن المرشد آية الله علي خامنئي الذي وجه الشكر علانية وبشكل مباشر الى قيادتي حرس الثورة والجيش على الاجراءات السريعة والمنتجة التي قامت بها في التخفيف من اثار الفيضانات والسيول والتدمير واغاثة المتضررين والبدء في عملية الترميم وايصال المساعدات، وغياب اي اشارة للحكومة والاعمال التي قامت بها.

ومن الطبيعي ان يعمد المرشد للتركيز على المؤسسات العسكرية ودورها في الاغاثة، وهي مسؤوليات نص عليها الدستور والنظام الداخلي لهذه المؤسسات في حال تعرضت البلاد الى كوارث طبيعية الى جانب واجبها العسكري في الدفاع عن البلاد امام الاخطار الداخلية والخارجية، فهي مؤسسات تتبع في قياداتها واوامرها وكل تفاصيلها لقيادة المرشد مباشرة من دون المرور بالحكومة ايا كان طابع هذه الحكومة او رئيسها. وان هذه الاشادة تخدم دورا اكبر من الحدث المباشر، الى مسألة اكثر التصاقا بالنظام واستراتيجيته التي تتعرض في هذه المرحلة لتحديات مصيرية واساسية على صعيد الدور الاقليمي الذي يتحمل مسؤولية بلورته قوات حرس الثورة وتحديدا فيلق القدس. وبالتالي فان مسارعة المرشد للتأكيد على دور الحرس في الوقوف الى جانب المتضررين، يهدف الى توجيه رسالة الى الداخل الايراني اولا بان استهداف هذه المؤسسة من قبل الادارة الامريكية هو استهداف لمؤسسة وطنية تقوم على خدمتهم والدفاع عنهم وعن مصالحهم ومصالح ايران في الداخل والخارج، وبالتالي محاولة تثمير الايجابية التي ظهرت على المستوى الشعبي من هذه المؤسسة بسبب دورها الاغاثي في اعادة ترميم الصورة التي تضررت في السنوات الاخيرة جراء تصديها للعديد من التحركات التي شهدتها ايران في اطار الحريات السياسية والمطالبات الاقتصادية والمعيشية، وتوجيه رسالة الى الخارج بان استهدافها يعني استهداف احد اركان النظام التي تتمتع بشعبية لدى الايرانيين على العكس مما تروج له واشنطن.

خامنئي لجأ الى خطوة تصعيدية في وجه روحاني وإدارته الاقتصادية وتعاطيها مع نتائج السيول والفيضانات، ووجه شبه اتهام بالتقاعص والتخبط في ادارة الازمة، من خلال رفضه المباشر للطلب الذي وجهه روحاني الى المرشد بالسماح للحكومة بمد اليد الى الاموال الموجودة في "صندوق التنمية الوطنية" لتوظيفها في عملية الاغاثة واعادة الاعمار، مشيرا الى ان لدى الحكومة الاموال الكافية للبدء بعملية الاغاثة واعادة الاعمار ومعالجة النتائج عن السيول، ولا حاجة للمس بالصندوق الوطني.

وقد انطلق خامئني في رفضه لطلب روحاني من منطلق ان البرلمان الايراني قد اقر ميزانية الدولة قبل فترة، وان السنة المالية الايرانية للحكومة مازالت في بدايتها ولم يمر الشهر الاول من هذه السنة، وبالتالي فان الحكومة قادرة على اجراء مناقلات في بنود الميزانية بين الوزارات وتوظيفها في عملية الاغاثة.

موقف خامنئي جاء في رسالة جوابية على رسالة سبق ان وجهها حسن روحاني للمرشد تتضمن هذا الطلب، وقال فيها خامنئي ان المطلوب من الحكومة هو "البدء سريعا بالاجراءات الضرورية لتعويض الخسائر من الاماكن الموجودة" مشيرا الى ضرورة "ابداء الحكومة ومؤسساتها الجدية اللازمة في متابعة تعويض الخسائر المالية القاسية للسيول خصوصا الخسائر التي لحقت بالمزارعين ... وفي حال الضرورة وبعد تقويم الاوضاع وفي حال الضرورة يتم اللجوء الى صندوق التنمية الوطنية". وذكر روحاني بالبنود التي يمكن للحكومة استخدامها في هذا الاطار وهي المتعلقة بميزانية الكوارث الطبيعية واحداث مناقلات في ملحقات ميزانيات الاعمار والبناء والضمانات والتسهيلات البنكية. واضعا امام روحاني وفريقه خريطة طريق للتعامل مع اثار السيول وكيفية ادارتها، في اشارة لفقدان الثقة لدى المرشد بالاجراءات والخطوات التي تقوم بها الحكومة.

هذا الموقف وان كان يكشف عن حجم التوتر الذي يسود بين المرشد والرئيس، وعن تراكم الانتقادات لادارة روحاني للوضع الاقتصادي في السنة الاخيرة بالتزامن مع العقوبات الامريكية والتخطبط الذي يعانيه الاقتصاد والادارة المالية في ايران، الا انه يكشف حقيقة ان المرشد مازال يتحكم بالمفاصل الاقتصادية والمالية للنظام، الى جانب تحكمه بالقرارات الاستراتيجية والسياسية والامنية والعسكرية. وان روحاني بدأ يخسر آخر المواقع التي يعول عليها في الحصول على الدعم لمواجهة الاطراف والقوى السياسية المعارضة له ولسياساته الداخلية والخارجية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024