رسائل الصفدي

مهند الحاج علي

السبت 2019/11/16
التوافق على اسم الوزير محمد الصفدي رئيساً لحكومة تكنوسياسية تتمثل فيها قوى السلطة، يحمل في طياته رسائل متعددة. بداية، يكذب أهل السلطة عندما يقولون إن رسالة المتظاهرين وصلت اليهم، وأن الفترة المقبلة ستشهد سلوكاً مغايراً في إدارة الدولة وشؤون البلاد.

من رسائل طرح اسم الصفدي أن الأولوية السياسية اليوم هي للحؤول دون قلب نتائج انتخابات عام 2018، بما أنها أول غالبية موالية أو متحالفة مع تنظيم "حزب الله" منذ عام 2005. وبالتالي، يرى التنظيم وحلفاؤه في الاحتجاجات المتواصلة محاولة للانقلاب على نتائج الانتخابات الماضية، من خلال الإصرار على إخراج القوى السياسية من الحكومة المقبلة. المهم لدى الحزب إبقاء الحكومة ضمن نطاق السيطرة السياسية لمواجهة أي استحقاقات اقليمية ومحلية مقبلة.

كما أن التوافق على هذا الإسم يُؤكد مجدداً عدم جدية قوى السلطة، ومن ضمنها رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري و"حزب الله" ورئيس الجمهورية ميشال عون، في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة. كلما يمر الوقت، نكتشف أن هذه كذبة كبيرة، إذ يُفضل الساسة اللبنانيون بعض التحقيقات الفولكلورية غير الجدية، على أن يُستعاض عنها إما بمزيد من الضرائب أو من خلال تعويم الليرة. ذاك أن اسم الصفدي ليس بعيداً عن فضائح منشورة من اليمامة (كما نشرت "ذي غارديان" البريطانية) إلى قضايا عقارية أخرى عليها علامات استفهام. بكلام آخر، هذا رئيس حكومة لن يُكافح الفساد أو يسترد الأموال المنهوبة، بل الأرجح أن يُمثل مصالح أصدقائه الأثرياء.

والأنكى من ذلك أننا أمام استحقاق دولي على ارتباط باستجلاب دعم للخروج من أزمة اقتصادية ومالية ملحة. هل يبعث هذا الاسم رسالة ايجابية الى المجتمع الدولي، عن تبدل أحوال أهل السياسة في لبنان وجدية الإصلاحات؟

والحقيقة أن الثقة بالحكومة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى لأن في جعبتها إجراءات مؤلمة بحق المواطن، يجب أن تُرفق بإصلاحات جدية، لا صُورية في بنية النظام المالي اللبناني. والنموذج الحالي القائم على الاستدانة من المصارف غير قابل للإستمرار لأن الودائع تتناقص ولم تعد تدخل الى المصارف نتيجة عامل الثقة. بيد أن الإجراءات المصرفية الأخيرة من القيود على السحب إلى منع التحويلات الى الخارج ووقف الاعتمادات التجارية، غير مسبوقة في تاريخ القطاع المصرفي، وهي صادمة للمودعين اللبنانيين والأجانب على حد سواء. ومن الضروري اتخاذ اجراءات سريعة لعودة الثقة تدريجياً الى هذا القطاع. لكن تحتاج استعادة الثقة إلى حكومة تُمثل رغبات الشارع والمجتمع الدولي خلال الفترة المقبلة، ولا تعكس التوازنات السياسية الفاشلة التي أوصلتنا إلى الواقع الحالي. 

رسائل الصفدي عديدة ومنها أننا أمام طبقة سياسية غير قابلة للإصلاح ولا ترى مطالب الناس، والأرجح أنها ستدخل في صراعات بين مكوناتها في حال قررت وقف مكامن الهدر المالي، إذ سيُحاول كل فريق الحفاظ على "مكتسباته" المالية في هذه الدولة المنهوبة. باختصار، الصفدي اختيار مثالي لمن لا يريد أي تغيير.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024