روحاني.. الانجاز غير المكتمل

حسن فحص

الأحد 2019/09/29
على الرغم من الموقف المتشدد الذي ظهر به الرئيس الايراني حسن روحاني في خطابه امام الجمعية العمومية للامم المتحدة ورفضه التام لكل الوساطات والجهود الدولية وحتى الاشارات الاميركية لفتح باب الحوار وعقد لقاء مباشر مع نظيره الاميركي دونالد  ترامب وتأكيده على الثوابت الايرانية للقبول باي حوار مع الادارة الاميركية، الا انه لم يستطع ان يكون على المستوى نفسه من التشدد في اقناع الشركاء الدوليين خاصة الاوروبيين ولا المنافسين الداخليين في التيارين الصلاحي والمحافظ بما يعتبره انجازا سياسيا ودبلوماسيا حققه في زيارته الى نيويورك. 

الازدحام الذي شهدته اروقة الجناح الايراني في مبنى الامم المتحدة وتنافس القادة الاوروبيين، خصوصا قادة الترويكا الاوروبية (فرنسا والمانيا وبريطانيا) لعقد لقاءات مع روحاني لم تكن في الاتجاه الذي يحقق للجانب الايراني ما كان يطمح به، والذي يتجاوز الوساطة او تقريب وجهات النظر بينه وبين الجانب الاميركي تسيهلا لعقد قمة ثنائية بين الرئيسين، ويطمح ليؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات التي تتجاوز حساسية العلاقة الاوروبية الاميركية وما فيها من تقارب مفروض في الموقف من آلية التعامل مع الازمة الايرانية ولا تفي بحاجة طهران لقرار يسمح بتطبيق آلية التعامل الاقتصادي والمالي، وهو طموح ولا يمكن للاحاديث الثنائية وما فيها من مواقف بعيدة عن الاعلام والاعلان، ان تحقق ذلك وتغير واقع وحقيقة ما تتركه المواقف المعلنة وتأثيراتها على المسارات السياسية والحوارية، فاللقاءات مع قادة الترويكا لم تستطع ان تلغي مفاعيل الموقف الذي ادان الدور الايراني في ما اسمته هذه الدول مسؤوليتها في الاعتداء الذي تعرضت له المنشآت النفطية السعودية التابعة لشركة آرامكو. 

ومع ان لقاءات روحاني مع القادة الاوروبيين كان فيها الكثير من الاريحية التي تشي بوجود مساحة كبيرة من امكانية التفاهم والاتفاق، الا ان الامور في طهران لم تكن على المسار نفسه، اذ استنفرتها النقاط التي تضمنها البيان الاوروبي في ما يتعلق بالتفاوض من اجل ادخال تعديلات على الاتفاق النووي وبحث البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، ووصفته بانه جاء معبرا عن مطالب ترامب والبيت الابيض وينسف كل ما سبق ان تحقق على مسار مساعي اعادة بناء الثقة بينها وبين الدول الاوروبية. 

الرد الايراني الذي قد يسهم في اعادة رسم الدور الاوروبي لمزيد من الابتعاد عن تفهم الهواجس الايرانية وتضييق مساحة التمايز عن الموقف الاميركي جاء من المرشد الاعلى للنظام آية الله علي خامنئي الذي يملك حق ""القول الفصل" حسب تعبير وزير الخارجية محمد جواد ظريف في رسم السياسات الخارجية والاستراتيجية للنظام والدولة، اذ اعتبر ان الامور وصلت مرحلة لم يعد ممكنا معها التماشي مع الدور الاوروبي معتبرا ان الاوروبيين "ملتزمون بالعقوبات الاميركية ويجب قطع الامل بهم"، وهو موقف قد يضع حدا نهائيا لاي مستوى من الرهانات لدى روحاني وفريقه على امكانية الاستمرار في انتظار خطوة اوروبية تسمح بكسر حلقة العقوبات الاميركية الخانقة او ما تسميه ايران "الارهاب الاقتصادي الاميركي". ولعل هذا الموقف في طهران من المرشد الاعلى الذي تزامن مع لقاءات روحاني الاوروبية في نيويورك هو الذي دفع الاخير الى التلميح لوجود مسارات تفاوضية اخرى ما تزال فاعلة وناشطة وقد تشكل بديلا للمسار الاوروبي. وهو ما قد يعيد الحديث عن الدفع بالدور الذي تقوم به القيادة العمانية الى الواجهة من جديد واعطائه الاولوية من جديد على حساب الدور الاوروبي وتحديدا الفرنسي الذي استنفد كل الفرص الايرانية، اضافة الى الدور المستجد الذي برز لرئيس الوزراء الباكستاني عمران خان. 

وفي وقت حظي خطاب الرئيس روحاني في الامم المتحدة باجماع ايجابي لدى جميع الاطراف الايرانية حتى تلك التي لم تترك فرصة للنيل من ادائه في ادارة الدولة والازمة الاقتصادية، وحملته مسؤولية الاثار السلبية للاتفاق النووي، الا ان ذلك لم يشفع له في الحملة التي تعرض لها جراء الاجواء التي سادت الاجتماعين اللذين جمعاه مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والضحكات التي سادت في هذين اللقاءين، ما جعله عرضة لحملة من الانتقادات القاسية لجهة ان هذه الاجواء المرحة والايجابية لم تكن تتناسب مع مضمون بيان الترويكا الهجومي ضد ايران، في حين ذهبت بعض الاصوات الاصلاحية الى اعتبار الزيارة جاءت من باب "لزوم ما لا يلزم" وكان من الافضل ان لا يذهب الى نيويورك، لان الزيارة وجميع الانشطة التي سيقوم بها ستكون محكومة مسبقا بثوابت سبق للمرشد ان حددها ويمكن تلخيصها برفض اللقاء مع ترامب، ولا حوار قبل رفع العقوبات الاقتصادية، ولا مفاوضات قبل عودة واشنطن الى مجموعة 5+1 والاتفاق النووي، ولا بحث في اي من الملفات التي تطرحها الادارة الاميركية حول البرنامج الصاورخي والنفوذ الاقليمي. والصورة التي جمعت المرشد مع امين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله والجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس تشكل الرسالة الاكثر وضوحا للرد الايراني على كل الضغوط الاميركية والدولية. 

يمكن القول ان ما شهدته اروقة الامم المتحدة والحراك الدبلوماسي الواسع الذي قام به الرئيس والوفد الايراني، لم ينته الى النتيجة التي كان يتمناها روحاني ونظيره الاميركي ترامب، الا انها اسست لمرحلة جديدة تؤكد رغبة الطرفين في الجلوس الى طاولة مفاوضات واحدة وحل جميع الملفات العالقة بينهما، وفي وقت قد يكون فيها الرئيس الاميركي بحاجة الى تحقيق انجاز في هذا الملف يوظفه في معركته الانتخابية ضد الديمقراطيين، فان طرفا ايرانيا لا يبدو انه متعجلا في الذهاب الى هذا الخيار، وهو وان لم يسقط من حساباته امكانية عودة ترامب الى الرئاسة لدورة ثانية، الا انه يفضل الانتظار لما بعد الانتخابات وامكانية تخفيف الاثمان التي قد يدفعها في حال عاد الديمقراطيون الى السلطة، لان ابداء الاستعداد لتقديم اي تنازل لترامب مهما كان بسيطا قد يدفعهم لتبني النهج نفسه والعودة بهم الى دوامة التفاوض من جديد. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024