واشنطن طهران:حرب الساعات الاخيرة

حسن فحص

الأحد 2020/06/14
لم يترك الرئيس الامريكي دونالد ترمب اي متنفس امام التيار العقلائي داخل النظام الايراني الذي تبنى خيار التفاوض وحل النزاعات مع واشنطن عن طريق الحوار والتوصل الى تسويات تضمن لكلا الطرفين الحد الادنى من تحقيق المصالح على مستوى منطقة غرب آسيا وتحديدا الشرق الاوسط. 

الادارة الامريكية استنفرت كل وسائلها ووضعت ما في جعبتها من افكار وآليات لممارسة المزيد من الضغوط على النظام الايراني والعمل على سحب كل الاوراق الممكنة التي قد تشكل مدخلا لهذا النظام للتخفيف من هذه الضغوط او الالتفاف عليها، ان كان على المستوى السياسي وحجم النفوذ والدور الايراني وتأثيره في الاقليم، او على مستوى الملف النووي والمكاسب التي ينتظر الحصول عليها من الاتفاق النووي الموقع بين ايران ومجموعة دول 5+1 في تموز/ يوليو 2015.

ويبدو ان طهران تنظر بعين الريبة والشك للاداء العراقي في سياق المحادثات الاستراتيجية التي انطلقت بين بغداد وواشنطن في العاشر من هذا الشهر (يونيو)، خاصة الفقرة المتعلقة بوجود القوات الامريكية على الاراضي العراقية، والتي اعلن المرشد الايراني في كانون الثاني يناير من هذا العام ان الاستراتيجية الايرانية والمحور الذي تقوده تقوم على اخراج هذه القوات من منطقة غرب آسيا وتحديدا من سوريا والعراق. فما تسرب من اجواء عن هذه المحادثات يوحي بان الاتجاه بين الطرفين (العراقي والامريكي) ينحو الى الاتفاق حول اطلاق عملية انسحاب تدريجي والابقاء على قوة محدودة من اجل التدريب والاستجابة السريعة لمساعدة القوات العراقية في الحرب ضد بقايا تنظيم داعش. وهو ما يتعارض مع الجهود التي بذلتها طهران عبر قرار البرلمان العراقي في الخامس من كانون الثاني يناير الماضي 2020 الذي ألزم الحكومة العراقية العمل على إخراج هذه القوات بشكل كامل من العراق، وتعتبره – طهران- نقطة انطلاق نحو استكمال تطبيق استراتيجيتها في غرب آسيا وعاملا مساعدا في خروج الامريكي من مناطق شرق سوريا. 

وإذا ما كانت واشنطن في الموضوع العراقي تلعب على عامل الوقت في استنزاف الجهود الايرانية، فان ادارة الرئيس ترمب رفعت من مستوى استنفارها لاستكمال محاصرة ايران، وذلك من خلال تركيز الجهود على سد الثغرات التي برزت بعد قرار انسحابها من الاتفاق النووي في نيسان ابريل عام 2018، خصوصا ما يتعلق بالفقرة التي تضمنها قرار مجلس الامن الدولي رقم 2231 والاتفاق النووي والتي تتحدث عن رفع الحظر عن تجارة ايران بالسلاح بيعا وشراء. 

واذا ما كان المسار الامريكي لحرمان ايران من هذا الحق (رفع الحظر عن تجارة الاسلحة) الذي يبدأ من تاريخ 18 تشرين الاول اكتوبر 2020 يمر بكثير من التعقيدات خصوصا في ما يتعلق بالموقفين الروسي والصيني الرافضين لاي مسعى امريكي عبر مجلس الامن بتمديد محدد او مفتوح لهذه العقوبات، وامكانية ان تذهب الى استخدام الفيتو في المجلس لمنع واشنطن من تدمير ما تبقى من الاتفاق النووي حسب تعبير كل من وزيري خارجية روسيا والصين في الرسائل التي وجهها أمين عام الامم المتحدة انطونيو غوتيرش، فان موسكو وبكين ترفضان الضغوط التي تمارسها واشنطن على الدول الاوروبية المشاركة في الاتفاق النووي لتفعيل آلية فض النزاعات التي تضمنها الاتفاق والتي تسمح باعادة الملف الى مجلس الامن بحيث يمهد الطريق لاعادة العقوبات الدولية ضد ايران تحت البند السابع ومن دون ان يكون لموسكو وبكين الحق في استخدام الفيتو.

وعلى الرغم من عدم امكانية الحسم في الاتجاه الذي قد تذهب اليه الامور في الاشهر القليلة المقبلة بين طهران وواشنطن، إلا أن الاخيرة تعمل على استثمار كل الفرص المتاحة أمامها للوصول الى هدف تمديد الحظر ومنع إيران من الحصول على حق شراء الاسلحة، ولم تسقط من اعتبارها امكانية عدم النجاح في مجلس الأمن باعتماد قرار جديد بهذا الخصوص، فإنها بدأت تمارس ضغوطا على مجلس حكماء الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتضمين التقرير الذي سيصدره حول الالتزام الايراني بالاتفاق النووي اشارات على نقض هذا الاتفاق وعدم الالتزام بالتعهدات التي تضمنها خصوصا بعد الخطوات التي قامت بها طهران لتقليص هذه الالتزامات على مدى الأشهر الماضية. 

نجاح واشنطن في اي من المسارين، في ظل تعقيدات استخدامها آلية فض النزاعات في الاتفاق النووي بعد انسحابها منه، سيضع طهران أمام خيارات عديدة للرد على هذا الاجراء، وهي خيارات أحلاها مر على طهران لان اعتماد اي منها سيسمح لواشنطن بالحصول على ما تريد من تحويل العقوبات التي فرضتها منفردة الى عقوبات دولية تحت البند السابع، وبالتالي تكون قد دفعت طهران لإلغاء الاتفاق النووي. الا ان هذا الامر يجب الا يسقط من حسابات واشنطن التداعيات التي قد تنشأ عن اي قرار ايراني على علاقة بالبرنامج النووي، لانه سيحرم المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية وحتى واشنطن امكانية الاستمرار في الرقابة القاسية التي تمارس على النشاطات النووية الايرانية، وبالتالي قد يسمح لإيران استغلال انهيار الثقة بينها وبين الدول الغربية خصوصا تلك الراعية للاتفاق النووي والعودة الى رفع مستوى نشاطاتها النووية بعيدا عن الرقابة الدولية، خصوصا وانها قد تلجأ في حال نجحت واشنطن في تمديد حظر الاسلحة عليها الى واحدة من عدة خيارات ليس أقلها الحد من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية ومفتشون من الدول الأعضاء في الاتفاق النووي، او رفع تخصيب اليورانيوم الى مستوى 20 في المئة على الاقل، او وقف تنفيذ بروتوكول التفتيش المباغت الذي التزمت به طوعيا وتعطيل آلية اقراره في البرلمان الذي من المفترض أن يكون نتيجة لمسار اختبار جدية التزام طهران والدول الموقعة على الاتفاق بالتعهدات التي التزموا بها، او الانسحاب من معاهدة الحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل وما تعنيه من حرية طهران في تطوير قدراتها النووية لمستويات الاستخدام العسكري، او اعلان الانسحاب من الاتفاق النووي والعودة الى نقطة الصفر. وهي خيارات وإن كانت تبعاتها الدولية على طهران ستكون قاسية، الا انها تسمح للنظام الايراني بالعودة الى دائرة الغموض النووي وتطوير برنامجه لاهداف غير مدنية بعيداً عن اي رقابة دولية، وهو خيار قد يكون من الصعب على المجتمع الدولي التعامل مع تداعياته وقد يدفع المنطقة نحو تصعيد مفتوح على جميع الاحتمالات. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024