روسيا لن تخون إيران؟

بسام مقداد

الأربعاء 2019/06/05
منذ أن انتشر نبأ "القمة الأمنية" الروسية الأميركية الإسرائيلية في القدس اواخر الأسبوع المنصرم ، والمواقع الإعلامية الروسية منهمكة في مناقشة جدول الأعمال المحتمل لهذه القمة . وارتفعت وتيرة النقاش ، بعد أن نشرت الأحد المنصرم صحيفة شرق أوسطية ، نقلاً عن مصادر غربية، نبأ احتمال ، أن تعرض الولايات المتحدة وإسرائيل خلال اللقاء صفقة على روسيا ، تعترف بموجبها الولايات المتحدة بشرعية الأسد وترفع العقوبات عن سوريا ، مقابل الحد من النفوذ الإيراني في سوريا .

ولم يبق المسؤولون الروس خارج هذا النقاش ، فقد علق الناطق باسم الكرملين على النبأ حول شروط الإعتراف بالأسد ، بقوله  " ما كنت لأستبق الأمور ، ولن أفعل . لكنني أدعو الجميع للحذر الشديد حيال الحشو ومختلف الأنباء الكاذبة ، التي من المؤكد أنها ستملأ الفضاء الإعلامي" ، حسب نوفوستي. ونقلت صحيفة الكرملين "VZ" عن نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما تشكيكه بالإفتراض عينه ، أن بوسع روسيا "الحد من نفوذ إيران في أي مكان كان" ، إذ ليس بوسعها التأثير عليها سوى عبر الإحترام والثقة . وجاء كلام البرلماني الروسي في سياق مقالة نشرتها الصحيفة بعنوان " أية صفقة يمكن أن تعقد بين روسيا والولايات المتحدة وإسرائيل بشأن إيران وسوريا" قالت فيها ، بأن الولايات المتحدة وإسرائيل تعتزمان اقتراح صفقة جديدة على روسيا بشأن الوضع في الشرق الأوسط . وتساءلت الصحيفة عما يفكرون به في موسكو حول هذا "الإقتراح المهم" ، وما إن كان بوسع روسيا أن تلعب ، فعلاً ، دور الوسيط ، وما هو الأمر ، الذي سيصبح خطاً أحمر لها في المفاوضات بين الدول الثلاث . وتقول الصحيفة ، أن مثل هذه الأنباء عن "اقتراحات بشأن سوريا" أخذت تظهر بشكل دوري في الفترة الأخيرة . وتذكر الصحيفة بالأنباء ، التي ظهرت في الصحافة الغربية في آذار/مارس الماضي حول قيام نتنياهو بتسليم ترامب وبوتين مشروعاً ما ، يفترض مغادرة القوات الإيرانية سوريا .

نفى الكرملين في حينه الأنباء تلك ، لكنهم dقترحون على موسكو هذه المرة تبادلاً محدداً ، حسب الصحيفة : نحن نرفع لكم العقوبات عن دمشق ، وأنتم تقدمون لنا "تحديد النفوذ الإيراني" . لكن الصحيفة ترى ، أن الوضع الراهن في المنطقة ، ليس الأنسب لطرح مبادرة سلمية ، حيث تقوم إسرائيل مجدداً بقصف الأراضي السورية ، وتبلغ الولايات المتحدة روسيا ، بانها تدعم الضربات الإسرائيلية لسوريا .

لكن من جانب آخر ، تقول الصحيفة أن السلطات الإسرائيلية كشفت عن سعيها للإتفاق مع روسيا ، وأكدت أنها غير راضية عن الوجود الإيراني في سوريا ، لكن ليس الوجود الروسي. لذلك لا ينبغي أن نتجاهل كلياً احتمال وجود اقتراح على موسكو بدور وساطة ما ، حسب الصحيفة ، التي تتساءل حول ما الذي يمكن التوافق عليه في ظل المعطيات القائمة حالياً . يقول النائب المذكور سابقاً ، أنه من غير اللائق الحديث عن "صفقة" بشأن الدولة المستقلة سوريا ، "نحن لن نذهب إلى صفقات ما ، بل قد تكون ممكنة توافقات معينة ، ليس إلا" . ويقول النائب ، أن الحديث يمكن أن يتطرق إلى توافقات دولية بمشاركة جميع الجهات المعنية ، بمن فيها إسرائيل ، " نحن نتفهم ما الذي يقلق الإسرائيليين ، وينبغي مراعاة مصالح جميع البلدان ، إلا أن الإتفاق مع الولايات المتحدة صعب دائماً ".

وتنقل الصحيفة عن مستشرق روسي قوله ، أن طهران قد تكون معنية بوساطة روسية ، إذ أنها تدرك أنها غير مقبولة كطرف في المفاوضات ، ولهذا تعمل وفق منطق "فليقم الروس بدور الوسيط ، ونحن نساعدهم" . وهو يرى أن بوسع إيران تقديم تنازلات ، إذ أنها لا تعتبر وجودها العسكري في سوريا هدفاً بذاته ، إذ أعلنت الخارجية الإيرانية ، ان الجمهورية الإسلامية على استعداد لتخفيض وجودها أو الإنسحاب كلياً "إذا استقر الوضع ، واقترب الصراع مع الإرهاب من نهايته" . ويعتبر هذا المستشرق ، أن القادة الإيرانيين لا يريدون لعب الدور الأول في التسوية السورية ، إذ أن مصالحهم "هي مصالح إقتصادية ، بالدرجة الأولى" ، وتنحصر مصلحتهم السياسية في عدم تغيير القيادة في دمشق .

وبعد أن تذكر الصحيفة ، أن إزاحة الأسد عن السلطة ليست واردة كشرط في الإقتراح الاميركي الإسرائيلي المفترض ، تقول أن بعض الخبراء يعتبرون أن صفقة واشنطن موسكو طهران ، ممكنة افتراضياً . إلا أنها تعود لتذكر ، بأن الأمر ليس سوى مادة نشرت في صحيفة ، ولذا يدعو مراقبون آخرون إلى الحذر في تقييم هذه المادة ، ويعتبر الرئيس السابق لمؤسسة "ناتيف" الإسرائيلية ياكوف كاديم ، الذي يتهمه الإسرائيليون بازدواجية الولاء لروسيا ، أن مثل هذه الأنباء تحمل ، في العادة، طابع التضليل الإعلامي ، ونادراً ما تتطابق مع الحقيقة .

بدورها تنقل نوفوستي عن خبير روسي قوله ، بأن مثل هذه الصفقة كانت لتبدو عقلانية منذ سنوات مضت ، لكن ليس في الظروف الراهنة ، حيث موسكو ودمشق المنتصرتان ، برأيه، هما اللتان ستفرضان الشروط ، وبوسعهما أن تطلبا من الشركاء الغربيين ، ليس الإعتراف الدبلوماسي بالنظام القائم فحسب ، بل وبتقديم مساعدة ملموسة في إعادة بناء ما هدمه الأميركيون وحلفاؤهم ، الذين خاضوا عملياً "حرباً أهلية ضد الحكومة السورية الشرعية" ، على قوله .

لكن هذا الخبير يرى ، مع ذلك ، أن روسيا يمكن ان تكون معنيية بهذه الصفقة، لأنها غير معنية ، لا هي ولا سوريا، في " التعزيز المفرط لنفوذ إيران في سوريا ، بما يؤدي إلى استبدال احتلال أميركا وحلفائها لسوريا بالاحتلال الإيراني لها" .

أما القوميون الروس فلهم رأيهم المختلف كلياً في الصفقة المذكورة ، إذ تقول صحيفتهم "SP" ، أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تعترفان بالأسد إذا خان الكرملين إيران" . وتنقل الصحيفة عن بوليتولوغ ومستشرق روسي قوله ، بأن الصفقة مغرية جداً لروسيا ، لكنه لا ينصح الإستعجال في اتخاذ القرار بشأنها ، لأن "اعتراف الولايات المتحدة وإسرائيل بالأسد قد يكون مكلفاً جداً بالنسبة لموسكو" . فهو يرى أن إيران ، بالنسبة لروسيا، هي أهم بكثير من سوريا نفسها، وليس من العقلانية أبداً فقدانها من أجل الأسد .

ويعتبر هذا الخبير أن إيران ، بحكم جغرافيتها وتاريخها الطويل في جوارها المعقد مع روسيا ، ليست أهم من سوريا فحسب ، بل هي ، برأيه، أهم من إسرائيل بالنسبة لروسيا ، وينتقد القيادة الروسية في محاولتها عقد صداقة مع الجميع ، كما هي الحال دائماً في روسيا . لكنه لا يحبذ قيام روسيا بمصالحة واشنطن مع طهران ، لأن الأمر محفوف بمخاطر كبيرة ، برأيه ، إذ ستكف روسيا عن أن تكون ضرورية للفرس ، وحين يصبجون اصدقاء مع الأميركيين لن يعودوا قريبين من الروس ، تماماً كما كان الأمر في عهد الشاه .

في مقالة سابقة لصحيفة الكرملين ، نشرتها في نهاية الشهر المنصرم تحت عنوان "لماذا تخون روسيا إيران" ، علقت فيها على قرار موسكو الإمتناع عن تزويد إيران بصواريخS-400  ، قالت الصحيفة ، بأن القرار إذا كان صحيحاً ، فهو قرار خاطئ ، مهما كانت مبرراته السياسية ، لأن "العلاقات الدولية هي بيزنس ، ليس إلا" . ولهذا ليس من المستغرب أبداً أن تساوم روسيا على سوريا وإيران في صفقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل ، طالما أن العلاقات بين الدول هي مجرد بيزنس ليس إلا .

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024