إيران:الرد على الانسحاب الاميركي

حسن فحص

السبت 2019/01/12

اثارت تصريحات النائب عضو كتلة "الامل- اميد" المقربة من الرئيس حسن روحاني في البرلمان الايراني رحيمي جهان آبادي التي ربط فيها بين امكانية ان تواجه ايران مصيرا مثل مصير الاتحاد السوفياتي ردود فعل رافضة صادرة عن بعض مواقع القرار الايراني، ولعل ابرزها تلك  الصادرة عن المؤسسة العسكرية المتمثلة بحرس الثورة الاسلامية المعني الاول. ولم تتردد وزارة الخارجية على لسان وزير خارجيتها في الدخول على خط الرفض هذا بالتأكيد على اهمية الدور الاقليمي لايران ومساهمته في فرض ايران رقماً في المعادلات الدولية والاقليمية.

جهان آبادي وفي خطاب خلال جلسة علنية للبرلمان الايراني، اشار  الى الدور الاقليمي لايراني ومعتبرا انه وعلى الرغم من اهميته، الا انه " يجب ألا ينسينا ان الاثمان الزائدة في بعض الاوقات قد تسبب المتاعب في شوارع طهران"، واشار هذا النائب الى ان الاتحاد السوفياتي عند انهياره كان يملك 13000 رأس نووي ويملك نفوذاً في اكثر من 20 دولة وانتشاراً دولياً، الا انه تمزق في شوارع موسكو، "واذا لم نستطع ان نعالج الاثمان الزائدة لسياستنا الخارجية والداخلية، فان الضرر الذي سيلحق بالامن القومي لن يكون بسبب العدو الخارجي بل سيأتي من شوارع المدن".

هذا الموقف الذي عبر عنه هذا النائب والكتلة التي ينتمي لها في البرلمان يكشف عن حدة الصراع الدائر بين القوى الايرانية حول ادارة الملفات الداخلية والخارجية بين مراكز القرار في النظام الايراني، خصوصا بين مؤسسة الرئاسة وما تمثله من سلطة تنفيذية يقع على عاتقها ادارة السياسة الخارحية ومواجهة الازمات المزمنة التي ورثتها اقتصاديا واداريا واجتماعيا وسياسيا على الصعيد الداخلي.

الردود على هذا الموقف جاءت من دوائر مقربة من مؤسسة حرس الثورة التي صوبت باتجاه الانجاز الاساس لحكومة حسن روحاني المتمثل بالاتفاق النووي وذكرت بالخسائر التي سببها هذا الاتفاق الذي اجبر ايران على خسارة وتعطيل جزء كبير من التكنولوجيا النووية لايران "مقابل لا شيء"، مشيرة الى وجود مساع دولية لتعميم نموذج الاتفاق النووي على البرنامج الصاروخي والنفوذ الايراني في المنطقة او قوتها الاقليمية.

السجالات الداخلية حول الاثمان التي قد تدفعها ايران بسبب سياساتها الاقليمية لم تعد تدور في الخفاء او خلف الكواليس وبعيدا عن الرأي العام الداخلي والخارجي، بل تحولت الى مادة للصراع السياسي بين التيارات السياسية، في محاولة من كل طرف رمي كرة الازمات التي تواجهها ايران في ملعب الاخر.

فمعسكر التيار الاصلاحي والمعتدل المقرب من روحاني يحاول حصر الازمة الاقتصادية التي تواجهها ايران بالضغوط الدولية التي تمارس على البرنامج الصاروخي من ناحية والدور الاقليمي من ناحية اخرى، وان المرحلة قد تستدعي من ايران تقديم تنازلات من اجل تحصين الداخل الايراني امام التحديات الناتجة عن الازمة الاقتصادية والعقوبات من اجل العبور بالنظام الى برّ الامان.

في المقابل، فان المعسكر المحافظ مدعوما من مؤسسة حرس الثورة، يرى ان ما تواجهه ايران من ازمات كان نتيجة للاتفاق النووي الذي وقعته حكومة روحاني والذي لم يحمل اي نتائج لايران سوى تعطيل جزء من برنامجها، وهو الامر الذي سمح للادارة الامريكية برئاسة دونالد ترامب ان تمارس المزيد من الضغوط والانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات جديدة وقاسية من اجل فرض مزيد من التنازلات في البرنامج الصاروخي والدور والنفوذ الاقليمي، اضافة الى ملف حقوق الانسان، وهي مسائل لم تكن لتحصل لو لم توقع ايران على الاتفاق مع مجموعة 5+1.

ايران والساحة السورية

هذا السجال الداخلي، وان كانت التوقعات تشير الى عدم امكانية ان يصل الى نتيجة واضحة، الا انه لا يمكن ان يبعد الانظار عن القلق الايراني من التطورات الاقليمية، خاصة ما يتعلق بالساحة السورية والقرار الامريكي بالانسحاب من هذا البلد، وكيفية التعامل مع تداعياته في ظل غياب قراءة ايرانية واضحة لابعاد هذا القرار والاهداف التي تتوخاها الادارة الامريكية من هذا الاجراء.

فإازاء الموقف الرسمي الطبيعي لطهران في مثل هذه الاوضاع، واعتبار الحدث طبيعيا وينسجم مع موقفها المطالب بهذا الانسحاب الذي تعتبره احتلالا لانه جاء من خارج ارادة الحكومة السورية وطلبها، الا ان التحركات التي رسمت ابعادها في المنطقة خصوصا باتجاه سوريا، تكشف عن تزايد الهواجس لديها والسعي لمواجهة اي تداعيات سلبية تستهدفها في المرحلة التالية لقرار الانسحاب.

من هنا يأتي الدفع الايراني لترتيب زيارة مستشار الامن القومي ورئيس هيئة الحشد الشعبي في العراق فالح الفياض الى سوريا والتفاهم الذي عقده مع الرئيس السوري بشار الاسد حول الدور العراقي المستقبلي في المناطق  الحدودية السورية مع العراق.

الزيارة التي تم ترتيبها في طهران، نتج عنها "تفويض" سوري للقوات العراقية – جيشا وحشدا- بالدخول الى عمق الاراضي السورية لضرب مواقع عناصر تنظيم داعش، خصوصا في منطقة "مثلث التنف" الذي مازال تحت الوصاية الامريكية، وبالتالي فان البعد الاساس في هذا التفويض يعطي الجانب الايراني غطاءً عراقياً لتوسيع وجود قواته في محافظة الانبار وصولا الى النقاط المشتركة مع الحدود  التركية، ما يعني انها ستكون على مقربة من مواقع تمركز القوات الامريكية الموجودة في قاعدة "عين الاسد" التي زارها ترامب مؤخرا، وستتمكن من محاصرة قاعدة التنف التي اجلت الادارة الامريكية اخلاءها الى المرحلة النهائية لتطبيق قرار الانسحاب. وبالتالي فانها ستكون قادرة على تأمين الطريق البري الواصل بين بغداد ودمشق برا والذي يحظى باهمية استراتيجية لطهران.

وتبرز اهمية هذا الاتفاق وتحويل مهمة القضاء على جيوب تنظيم داعش في المنطقة الحدودية المشتركة بين البلدين الى القوات العراقية وحشدها بمؤازرة من قوات حشد عشائري سوري يتم العمل على انتاجه والاعلان عنه، تبرز في عدم اشغال الجيش السوري والقوات الحليفة او الرديفة والطيران الروسي في مواجهة تداعيات الانسحاب الامريكي والتعامل مع جيوب داعش في هذا المنطقة، وبالتالي سيسمح لهذه القوات مجتمعة بالتفرغ للتعامل مع المستجد الميداني الذي تشهده محافظة ادلب وريفي حلب وحماه المجاورين لهذه المحافظة.

ويبدو ان طهران ومعها موسكو ستكون في المرحلة المقبلة المباشرة في سباق مع محاولات الادارة الامريكية التخفيف من سلبيات قرار الانسحاب من سوريا، والذي بدأ بزيارة نصف ناحجة لمستشار الامن القومي جون بولتن الى اسرائيل وغير موفقة في تركيا، والجولة التي يقوم بها وزير الخارجية مايك بومبيو في المنطقة ومحاولة الحشد لمؤتمر بولندا لوضع سياسات منسقة لمواجهة النفوذ الايراني، ومن المتوقع ان تشهد الساحة السورية استعدادات واسعة وكبيرة لخوض المعركة الفاصلة لمساعدة النظام في دمشق في استعادة سيطرته على محافظة ادلب التي مازالت خارجة عن سيطرته.

وقد ساهم التطور الميداني الاخير بسيطرة جبهة النصرة على كامل محافظة إدلب في حسم الخيارات التركية بالوقوف الى جانب الحلف السوري الايراني الروسي لاعطاء الضوء الاخضر للعملية العسكرية المؤجلة في هذه المحافظة، خصوصا وان أنقرة خسرت تأثيرها على الوضع فيها بعد قضاء النصرة على الفصائل المرتبطة بها، وبالتالي سقطت الحجة التي كانت تتذرع بها لابعاد المعركة عن ادلب والتي تفرضها شريكا في المعادلة السياسية السورية.

ومن المتوقع ان تصرف تركيا النظر عن عمليتها العسكرية في منطقة شرق الفرات ضد القوات الكردية ومراقبة العودة الكردية الى الحضن السوري برعاية روسية ايرانية، ما يعني ان الحشود التركية العسكرية على الحدود السورية قد تتحول مهمتها من مناطق شرق الفرات الى ادلب، بما يشكل ردا على الموقف الامريكي الرافض للدخول التركي الى المناطق الكردية واستمرار واشنطن في نشر مظلتها فوق الاكراد بمواجهة انقرة وسكوتها عن عودتهم الى دمشق.

هذه السيناريوهات لن تدخل مرحلة التنفيذ بانتظار عقد القمة الثلاثية بين الرؤساء الروسي فلاديمير بوتين والايراني حسن روحاني والتركي رجب طيب  اردوغان، والمقررة في موسكو في منتصف الشهر الحالي، وهي قمة قد تساهم في وضع استراتيجية جديدة للتعاون والتفاهم بين هذه الدول حول مستقبل سوريا وتالياً المنطقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024