الجيش المصري في البورصة

شادي لويس

الثلاثاء 2019/11/05
خلال افتتاح مصنعين للكيماويات تابعين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، يوم الخميس الماضي، تناول الرئيس السيسي فكرة طرح شركات الجيش للاكتتاب في البورصة. ففي معرض حديثه عن "خطة" للدولة، عمرها ثلاث سنوات، لطرح عدد من الشركات والأصول الحكومية في البورصة، يقول الرئيس: "لا بد أيضاً من طرح شركات القوات المسلحة، لتكون أمام المصريين فرصة امتلاك أسهم في هذه الشركات، ولكي نفتح باب المشاركة المجتمعية في هذه الشركات". 

ورغم الحسم في لغة السيسي، فإنه من الصعب الجزم بمدى جدية هذه الفكرة، أو إمكانية تطبيقها بالفعل. فعملية الطرح ستتطلب إعادة هيكلة لتلك الشركات إدارياً وقانونياً، وإخضاعها لقوانين هيئة الاستثمار، أو ربما العكس، أي تعديل القوانين التي تحكم البورصة المصرية والاستثمار لتناسب هيكل تلك الشركات. ولا تبدو الفكرة الأولى قابلة للتنفيذ، فهل سيسمح الجيش للمساهمين بممارسة حقهم في الإدارة والتصويت على قرارتها؟ وهل ستخضع تلك الشركات للرقابة من الجهات المعنية، وتكشف عن ميزانياتها ورواتب مجالس إدارتها في العلن؟ وهل سيمكن اختصامهم أمام المحاكم، مثلها مثل شركات القطاع الخاص؟ وهل سيُستثنى موظفو تلك الشركات من الخضوع للمحاكم العسكرية مثلاً؟ وإن كان هذا هو الحال، فما الذي سيتبقى من تبعية تلك الشركات للجيش أو من صفتها العسكرية؟ 

أما تعديل القوانين الحاكمة، فلا يبدو ذلك خياراً متاحاً. الحكومة المصرية في حاجة ماسة لإثبات جدّيتها بشأن قواعد الشفافية في السوق، بغية جذب الاستثمارات الأجنبية، التي تعول خطتها "الإصلاحية" عليها كثيراً، لتحقيق النمو وخلق فرص عمل. لكن هذا لا يعني أن الخطة غير قابلة للتنفيذ، وإن كانت ستحتاج القليل من التعديلات. فباتباع طريقة مشابهة مثلاً لتمويل مشروع قناة السويس الجديدة، يمكن طرح شهادات استثمار بفائدة ثابتة، تذهب حصيلتها كمساهمة في رأس مال الشركات العسكرية، من دون امتلاك حامليها حصة في تلك الشركات أو قدرة على المشاركة في إدارتها.

لا تُعدّ جدية الفكرة من عدمها أو طريقة تنفيذها، المعضلة الوحيدة. فالمبررات التي تساق في سبيلها، ودوافعها ومنطقها، لا تقل إشكالية. يقول الرئيس إنه يهدف لإتاحة الفرصة للمواطنين لامتلاك حصة من تلك الشركات و"المشاركة المجتمعية" فيها، متجاوزاً حقيقة أن شركات الجيش، ككل مؤسساته الأخرى، هي ملك للمصريين بالأصل، ويتم تمويلها من ضرائب المواطنين وموارد موازنة الدولة الأخرى، بل وفي أحيان كثيرة يقضي عشرات الآلاف من المجنّدين فترة خدمتهم العسكرية الإجبارية في العمل لصالح تلك الشركات ذات الأنشطة الاقتصادية الصرفة، برواتب رمزية، وفي أوضاع تقترب من السخرة. ولا يتجاوز منطق الرئيس، الوضع القائم منذ فترة طويلة. فالقوات المسلحة لطالما تعاملت مع مواردها ورأسمالها بوصفها مستقلة عن ميزانية الدولة ومنفصلة عنها. وفي فترة حكم المجلس العسكري، على سبيل المثال، أعلن أعضاؤه، في أكثر من مناسبة، تقديم الجيش قروضاً وتسهيلات مالية للدولة.

تأتي فكرة الرئيس الملتبسة في سياق المعضلة التي يواجهها مشروع النظام الاقتصادي. فمن جهة، تتبع الدولة روشيتة المؤسسات المالية الدولية ومانحيها الغربيين: تحرير الاقتصاد، تقشف حكومي، المزيد من الخصخصة، وقف الدعم العيني، تقليص الدور الاجتماعي للدولة، خفض عمالة الجهاز الإداري الحكومي، وبالطبع تقديم التسهيلات للقطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. في الوقت ذاته، يظهر النظام عازماً على فرض سيطرته على الكثير من المجالات الاقتصادية، وعسكرتها. وإن لم يستطع الاستحواذ عليها بالكامل، فعَبر التحكم في حصة مؤثرة منها، سواء مباشرة، أو عبر واجهات مدنية تقوم بالمهمة نيابة عنه. ولا يقتصر الدافع وراء تلك الرغبة، على بناء شبكة زبائنية متشعبة تضمن ولاء كوادر الجيش وطبقة رجال الأعمال المرتبطة به، بل هناك أيضاً التصور السلطوي العسكري لدى النظام عن الدولة التي يجب أن تهيمن على كل شيء وتمتلك كل شيء.

ما زال النموذج الاقتصادي للنظام الحالي قيد التشكل، ويصعب الجزم بتطوراته في المدى المتوسط. فطبيعته الهجينة، وأركانه المتناقضة، تقف عائقاً أمام محاولة التنبؤ بمستقبله. لكن الأكيد، أن النظام عازم على الاستمرار فيه حتى النهاية. ففي كلمة الرئيس نفسها، أكد أكثر من مرة أنه لا تغيير أبداً في دور الجيش الاقتصادي، مضيفاً أن افتتاحات مشاريعه ستتوالى، و"اللي يزعل يتفلق". 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024