نصرالله ..إستراحة محارب

ساطع نور الدين

الأحد 2019/05/26
ما لم يقله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الذكرى ال19 لتحرر الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي، كان أهم بكثير مما قاله في ذلك الخطاب الهادىء الذي لا يتناسب مع دقة المرحلة الايرانية، وسياسة حافة الحرب التي تخوضها مع أميركا، وتخضع العالم كله لإختبار لم يسبق له مثيل منذ الغزو الاميركي للعراق في العام 2003 .

لم يكن هناك أثر في الخطاب لتلك الازمة التي تعصف بإيران وتحبس أنفاس دول المنطقة وشعوبها وتستنفر دول الغرب والشرق وشعوبهما، وتطرح السؤال عما إذا كان الشعب الايراني يحتمل الصمود حتى خريف العام المقبل (موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية) ، كما يخطط قادته، في ظل العقوبات الاميركية الاقسى من نوعها، وعما إذا كان الوقوف على الحافة لن يؤدي الى السقوط المفاجىء في أتون الحرب نتيجة خطأ ما يرتكبه أحد طرفي الصراع.

كان السيد نصر الله خارج هذا الجدل تماماً، لم يأت على ذكر إيران إلا عندما شكرها مع سوريا لمساهمتها في تحرير الجنوب، ولم يبد أي قدر من التعاطف مع ضائقتها الاقتصادية الشديدة، ولم يبد أي تقدير لوحدتها الداخلية التي حيدت الخلافات والاجتهادات وإرتدت زي الميدان الموحد، ولم يظهر أي تفاعل مع حركتها الدبلوماسية التي تجوب العالم كله هذه الايام، دفاعاً عن حقوقها النووية وعهودها السياسية في محيطها، العربي تحديداً. مع أنه سبق لزعيم حزب الله أن ألقى في الماضي خطباً كاملة عن إيران وثورتها وعظمتها ومستقبلها في ظل نظامها الاسلامي المتماسك.

لم يكن إنكاراً لتلك الازمة الكبرى التي تعيشها إيران ويحس بها بشكل خاص جميع حلفائها العرب خاصة، ويدفعون ثمنها، وبينهم الحليف اللبناني القوي نفسه الذي يفتقد اليوم عصر البحبوحة والانتشار والاطمئنان. لكنها كانت مجرد محاولة من نصر الله لتسليط الضوء على أن حزب الله، ليس أداة إيرانية، أو فرقة انتحارية تنفذ أوامر طهران، كما شاع في أكثر من مرحلة سابقة، لا سيما عندما خرج مقاتلو الحزب من الحدود اللبنانية الى جبهات حروب عربية أو دولية بعيدة.

أراد نصر الله أن يقول في خطابه الاخير بالامس ان الحزب لبناني أولا . وهذه الهوية تتقدم الان، في الشكل على الاقل على بقية الهويات التي يحملها. قوة الحزب تحسب للبنان، تحرره، وتحميه، وتنخرط في معاركه السياسية، الهزلية الطابع على مثال معركة محاربة الفساد، بإعتبارها الان المعركة الأم، حتى بالقياس الى المواجهة الكبرى التي تخوضها إيران اليوم، والتي تضع جميع عناصر إستقرارها الداخلي ونفوذها الخارجي على المحك.

قال نصر الله أن الحزب هو قوة الردع اللبنانية التي يأخذها العدو الاسرائيلي في الاعتبار، وهذا صحيح الى حد بعيد، الآن. فالحرب الاميركية الايرانية ما زالت مستبعدة، وما زال هناك بدائل عديدة متاحة لطرفيها، اللذين يعتقدان أن بامكانهما تحقيق النصر من دون الاشتباك العسكري المباشر. وكذا الامر بالنسبة الى الحرب الاسرائيلية على لبنان، التي تبدو مستبعدة أيضا، لأن القرار بإشعالها لا يتخذه الاسرائيليون وحدهم، بل يشاركهم فيه الاميركيون، ويناقشهم فيه الروس، خصوصا وأنه لن يكون مجرد تبادل إطلاق صواريخ عابرة للحدود، كما في الاشتباكات المتكررة مع غزة، بل يمكن ان يتطور الى حد تكرار سيناريو حرب العام 1982، على ما يلوح الاسرائيليون.

هذا السجال أيضا غاب عن خطاب نصر الله، الذي سبق ان صرخ بأعلى صوته في مناسبات عديدة، أقل حرجاً بالنسبة الى إيران او لبنان او سوريا، مهدداً إسرائيل بالصواريخ البعيدة المدى وبالتوغل البري، وبتغيير قواعد الاشتباك وقوانين الصراع. كان مفاجئا فعلا إعلان الامين العام لحزب الله أن معركته المقبلة هي مع مشروع الموازنة الذي أنجزته الحكومة، وتبين له أنه يمس حقوق الفقراء وذوي الدخل المحدود!

هدوء الخطاب لا يستدعي سوى الشكر.. حتى ولو كان الامر مجرد تمويه، أو توزيع للادوار، بحيث يتحمل الحوثيون والعراقيون العبء الرئيسي من المعركة التي كانت في ما مضى محصورة بحزب الله وحده، الذي قد يراد له أن يتمتع الآن بإستراحة محارب يستحقها بعد التضحيات الكبرى التي قدمها من أجل لبنان وسوريا والعراق واليمن...

  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024