إحذروا ترامب..الجريح

لوري كينغ

الأحد 2018/12/16
كما يعلم الجميع، الحيوانات المحاصرة والجريحة خطرة ولا يمكن التنبؤ بأفعالها. في هذا المنعطف من رئاسة دونالد ترامب، من الواضح أنه محاصر ومجروح بسبب أخطائه، وعيوبه الشخصية، وأكاذيبه. لا يمكن لترامب أن يعتاد على عدم حصول الأمور على طريقته الخاصة. رده المعتاد على الضغط أو الهزيمة هو إنكار وجود أي مشاكل، وإلقاء اللوم على الآخرين (وعلى الأخص الصحافة الأميركية، التي يصفها بأنها "عدو الشعب الأميركي")، أو ببساطة الإدعاء بأن أي أخبار غير مواتية له "مزيفة".
على مدار الشهر الماضي، تعرض ترامب للقصف والاتهامات والأزمات، وهذه ليست سوى بداية هجوم قانوني طويل. لقد مزّق تحقيق المحقق الخاص روبرت مولر المحامي السابق لترامب، مايكل كوهين، الذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، والكشف الجديد عن أن ترامب يشتري صمت النساء اللواتي أقام معهن علاقات جنسية يهيمن على العناوين الرئيسية اليوم.
بالإضافة إلى ذلك، سيفقد ترامب كبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، في الأول من كانون الثاني/يناير، ولا أحد يرغب في تولي المنصب. أثناء بحثه عمن يشغل مكان كيلي، يفكر ترامب في إعطاء المنصب إلى صهره والمستشار الأقدم، جاريد كوشنر، على الرغم من تورط كوشنر المحتمل في مقتل الصحافي جمال خاشقجي. إذا عرض المنصب على كوشنر وقبله، فإن ذلك سيسبب احتكاكاً إضافياً مع الأعداد المتزايدة من الجمهوريين في "الكابيتول هيل" الذين لا يستطيعون تحمل إجرام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لم يبرع كوشنر في أي من الملفات المسندة له حالياً، ومنحه مجموعة أخرى من المسؤوليات المهمة، يظهر ببساطة الكيفية التي أصبح بها ترامب يائساً.
في هذه الأثناء ، صوتت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديموقراطي بأغلبية 56 صوتًا مقابل 41 لإنهاء الدعم العسكري الأميركي للحرب الوحشية بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن. كانت هذه هي المرة الأولى التي يدعم فيها أي من مجلسي الكونغرس خطوة تهدف إلى سحب القوات الأميركية من المشاركة العسكرية الأجنبية بموجب قانون صلاحيات الحرب. وبعد ذلك التصويت، وافق مجلس الشيوخ بالإجماع على قرار تسمية ولي العهد السعودي بقاتل جمال خاشقجي، وطالب السعودية بمحاسبة كل من يتحمل المسؤولية عن مقتله. وعلى رأس كل ذلك، وافق رئيس تحرير مجلة "National Enquere" وهي نشرة بذيئة تتداول الشائعات عن المشاهير والقصص المتعلقة بالأجانب الذين يزورون كوكب الأرض، على التعاون مع التحقيق في لجوء الصحيفة الى تقويض أي قصص غير مواتية لترامب.
ستبدأ ولاية الكونغرس الجديد بأغلبية ديموقراطية في مجلس النواب الشهر المقبل، وقد صرح العديد من الممثلين المنتخبين حديثًا بأنه سيتم التحقيق مع ترامب ومحاسبته بطرق لم يسبق لها مثيل من قبل، سواء حول مسيرته المهنية أو خلال العامين الأولين من رئاسته، عندما كان لديه كونغرس مروض ومسيطر عليه من قبل الحزب الجمهوري لحماية ظهره. تلك الأيام قد انتهت.
سيكون العام 2019 أسوأ عام على الإطلاق لدونالد ترامب، ولا شك أن نوبات التغريد الأخيرة وسلوكه العام الغريب في عالم "تويتر" لا يدع مجالاً للشك في أنه لن يتعامل مع الضغوط والتوترات القادمة بسلاسة.الواقع، إن استجابته غير الناضجة والمتواضعة لأزمات صنعها بنفسه قد تجعله يفقد مؤيديه في "الكابيتول هيل" وبين عامة الناس. 
ترامب معتاد على العيش في عالم من الأوهام، وأن يدعم كل من حوله رؤيته الملتوية للواقع. على الرغم من أن 30٪ من الناخبين الأميركيين ما زالوا يؤمنون ويؤيدون ترامب من دون شروط، فإن أولئك الذين لا يفعلون ذلك هم الآن أكثر جرأة وأكثر وضوحاً في الإشارة إلى عيوب الرئيس وقصوره الجدي، والآن أصبح لديهم المزيد من الممثلين في الكونغرس للاستماع إليهم والتصرف نيابة عنهم. أي رئيس عادي سوف يستشرف القادم ويتراجع عن المواجهات ويزيد من التدقيق الإعلامي، لكن كما نعلم جميعاً، فإن ترامب ليس رئيساً عادياً. إنه مخادع في القلب، ونرجسي إلى درجة أنه يفتقر إلى أي تبصّر في سلوكه.
إذاً كيف ستقوم الفروع التشريعية والقضائية في الحكومة الأميركية بوضع الضوابط والتوازنات في فرع تنفيذي من الواضح أنه سيقع خارج القضبان؟ كيف ستتعامل وسائل الإعلام والمجموعات الفكرية وجماعات المناصرة و65 في المائة من الناخبين الذين يعارضون ترامب مع عدم عقلانيته المتزايدة؟ هناك مؤشرات على أن مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون قد سئم ترامب. في خطابه الوداعي أمس، نبه السناتور الجمهوري المتقاعد جيف فلاك، من ولاية أريزونا، زملاءه في مجلس الشيوخ من خطر الاستبداد.
هناك احتمال مقلق بأن ترامب قد يخلق أزمة لتحويل الانتباه بعيداً عن "البيت الكرتوني" المنهار الذي يشكل إدارته. بدا أداؤه أمام الكاميرات في المكتب البيضاوي الأربعاء، عندما جاءت النائبة نانسي بيلوسي والسيناتور تشاك شومر للتحدث معه بشكل خاص، فعثروا على وسائل الإعلام هناك على استعداد لبث المحادثة، كمؤشر على مقاربة ترامب غير المنتظمة تجاه الأزمات. 
حوّل الرئيس الاجتماع مع بيلوسي وشومر إلى مباراة صاخبة تدور حول خطته لبناء جدار على طول الحدود مع الولايات المتحدة، وانتهى ترامب بالإقرار، على الهواء مباشرة، بأنه سيكون سعيداً بإغلاق الحكومة الأميركية من أجل الحصول على جداره مبنياً. خلال إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، كلما قام الجمهوريون، بقيادة ميتش ماكونيل من ولاية كنتاكي، بإغلاق الحكومة، حاولوا دوماً إلقاء اللوم على أوباما والديموقراطيين. لقد وضع ترامب مؤسسة الحزب الجمهوري بأكملها أمام خيار بأن عليهم تحمّل اللوم إذا قرر إغلاق الحكومة، الأمر الذي قد لا يرضي الكثيرين من ناخبيهم في البلاد.
هناك أزمة أخرى محتملة قد يثيرها ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون قد تكون تحركات عدوانية ضد إيران. ربما رأينا انعكاساً لذلك في دعم الولايات المتحدة لعملية إسرائيل العسكرية على أنفاق "حزب الله" المشتبه بها على طول الحدود اللبنانية. قال بولتون: "الولايات المتحدة تدعم بقوة جهود إسرائيل للدفاع عن سيادتها، وندعو حزب الله إلى وقف أنفاقه داخل إسرائيل والامتناع عن التصعيد والعنف. على نطاق أوسع، ندعو إيران وكل وكلائها لوقف عدوانها واستفزازها الإقليميين، اللذين يشكلان تهديدًا غير مقبول للأمن الإسرائيلي والإقليمي"، وهذا سيكون له فائدة إضافية تتمثل في تهدئة تحالف اليمين المتطرف الذي يقوده بنيامين نتنياهو، واولئك الذين قد يشعرون بتوتر شديد إزاء تزايد المعارضة الأميركية والدولية للحليف والصديق الإقليمي الجديد لإسرائيل: محمد بن سلمان.
مع اقتراب نهاية إدارة ترامب - ربما قبل العام 2020 بكثير - لا يمكن إلقاء اللوم على الأميركيين الذين يشعرون بالاشمئزاز من ترامب، ولكن يجب عليهم أن يكونوا حذرين أيضاً: ليس هناك طريقة للتنبؤ بما قد يفعله كلب مجنون محاصر.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024