"لماذات" علاء الأسواني

شادي لويس

الثلاثاء 2019/08/13
"لماذا يقدس العرب زعماءهم؟" يتساءل علاء الأسواني في مقال له في موقع "دويتشه فيليه" قبل أسبوع. وليس هذا السؤال الأول من نوعه، فالروائي المصري الأشهر في ألفيّتنا، يتساءل في مقال أسبق في الموقع نفسه، "لماذا لا نفهم ما يفهمه العالم؟". وفي العام 2010، نشر كتاباً بعنوان "لماذا لا يثور المصريون؟" وكان من باب المفارقة الساخرة أن ثار المصريون بعد صدور الكتاب بشهور قليلة.

ولا يمكن لوم الأسواني على عنوان كتابه هذا، فمن كان يتوقع إندلاع الربيع العربي حينها؟! لكن اللافت للانتباه هو الإصرار على طرح التساؤلات نفسها إلى اليوم، بالمنطق نفسه، وبالإجابات نفسها، بعد عقد من التحولات العميقة التي شهدناها. فالمصريون في مقالات الأسواني، مازالوا لا يثورون، بل ولا يفهمون أصلاً. أما المواطن العربي، فيتحول، بسبب القمع، إلى "كائن ذليل جبان" ومنافق، والعرب عموماً "في ذيل الأمم ويعيشون عالة على الدول الغربية المنتجة".

ولا يبدو كلام الأسواني جديداً. فقد ردده رحالة وموظفون استعماريون ومبشرون، جاءوا إلى المنطقة قبل قرنين وكتبوا عن سكانها. فالفلاح المصري، مثلاً، في تلك الأدبيات، ذليل بالطبيعة، وخاضع دائماً، ولا يمكن ضبطه سوى باستخدام القسوة المفرطة، لإنه لا يفهم غيرها. وردد عدد من مثقفي المنطقة في مرحلة ما بعد الاستقلال، أفكاراً شبيهة، ونسبوا أسبابها إلى الدين حيناً أو البنية الأبوية العشائرية. أو ذهبوا، مثل المصري جمال حمدان، إلى أن السلطوية المركزية والخضوع هي أقدار مصر الجغرافية. ويستمر عدد لا بأس به من الكتّاب "التنويريين" إلى اليوم، في تكرار الخطاب عينه، وعقد المقارنات بين العرب والغرب، أو بينهم وبين العالم إجمالاً. فالعرب في وجهة نظرهم هم الاستثناء، في كل شيء تقريباً. وفي الحقيقة ترسّخ ذلك الخطاب، حتى أضحى بديهياً، في الدوائر النخبوية وخارجها.

وليست المعضلة في ذلك الطرح، أصوله الاستشراقية، بل في العماء الإيديولوجي الذي يغلفه. فالتكرار الكسول لتلك المقولات الجاهزة، منع أصحابها من فحص الواقع الذي بارحهم منذ وقت طويل. فعلى سبيل المثال، يقدم الأسواني، صدام حسين، كنموذج لتقديس العرب لزعمائهم، وبالطبع هناك بين العراقيين من يتحسر على أيام صدام، حتى اليوم، أو يجده "أسد السنّة" لأسباب طائفية. وربما لا يختلف هؤلاء كثيراً عمّن يتحسر على أيام ستالين في روسيا، وهم كثر فعلاً، ومثلهم شرائح أكبر سناً من السكان في دول الكتلة الشرقية، والتي تعبّر عن حنينها بشكل علني لأيام الستار الحديدي والأنظمة الشمولية.

لكن، ورغم تلك التشابهات، فإن معرفة بسيطة بتاريخ العراق الحديث، وفترة حكم صدام حسين تحديداً، يمكن أن تخبرنا بأن علاقة العراقيين بحكامهم لم تكن أبداً علاقة "تقديس". فالانتفاضات الشعبية الواسعة التي أُخمدت، واحدة بعد الأخرى، في عهد صدام، بالغارات الجوية وأسلحة الإبادة والكيماوي، والمقابر الجماعية ما زالت تُنيش حتى اليوم، لا تقول شيئاً عن أي تقديس، لا في الماضي ولا الحاضر. ربما خافت غالبية العراقيين من الحاكم الدموي، أو نافقته، أو خضعت ضد إرادتها، لكن لا يوجد ما يؤيد بأنها قدّسته. وفي هذا كله، لم يختلف العراقيون كثيراً عن مجتمعات أخرى سقطت تحت أنظمة حكم ديكتاتورية حول العالم.

من المحيط إلي الخليج، وفي عقد واحد فقط، انتفضت الشعوب العربية، وأسقطت حكامها، واحداً تلو الآخر. ولم تكن هذه هي المرة الأولى، وتعرضت في سبيل ذلك - وما زالت - لتنكيل دموي، ومذابح غير مسبوقة، واحتلالات خارجية، وغيرها من الأهوال. وبالطبع، يمكن وصم تلك الثورات وشعوبها بالهزيمة، وبعبر أخرى كثيرة، كغياب الحزب الثوري، أو الطائفية، لكن من الصعب جداً تبرير وصفها بتقديس زعمائها والمذلة والجُبن.

لا تعنينا في هذا كله، تبرئة المصريين أو العرب، من تلك التهمة أو غيرها. لكن ذلك الخطاب التعميمي والاستثنائي والمنفصل عن الواقع، الذي يستخدمه "التنويريون"، يبدو شديد الخطورة. فلا عجب أن يدعو الأسواني، في العام 2012، وسط كل تلك الأسئلة، وفي أوج الجدل بعد ثورة يناير، إلى حرمان الأميين من حق التصويت. ففي النهاية، لا تختلف "لماذات" الأسواني كثيراً عن خطاب السلطوية: "المصريين ما يجوش غير بالكرباج". فالخطابان وجهان لعملة واحدة.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024