إسرائيل إذ تفتح نفقاً لبنانياً جديداً

ساطع نور الدين

الأحد 2020/10/11
المفاوضات المباشرة  مع إسرائيل التي يتوجه إليها لبنان، يوم الاربعاء، بحضور وسيط أميركي وشاهد دولي، ستدخل التاريخ بإعتبارها واحدة من أغرب عمليات الخداع الدبلوماسي المتبادل، التي يمكن ان تؤجل الكشف عن المنتصر والمغلوب.. لكن الى حين، طالما أنها لم تبنَ على توازن قوى فعلي، أملى كما هي العادة، اللجؤ الى خيار التفاوض بدلا من خيار الحرب او المراوحة.

السؤال ما زال محيّراً، لكنه ليس لغزاً: من هو الطرف الذي قدم التنازل الاكبر من أجل الاتفاق على التفاوض حول الحدود اللبنانية الجنوبية البحرية والبرية؟ ليست الامم المتحدة بالتأكيد. وهي مجرد مضيف. ولا يمكن أن تكون أميركا، التي لا يوجد أي دليل على ضعف موقفها وموقعها الدولي. ولا يبدو أنها إسرائيل التي لا تقف على حافة حرب، ولا تشعر بالخوف منها، ولا بالخطر على مواردها النفطية والغازية في البحر المتوسط. ولا يظهر حتى الآن، أن لبنان هو الذي يرفع راية الاستسلام، ويسلّم بمسار تفاوضي مبكر ومتسرع، كان ولا يزال يمكن تفاديه.

التعاطي مع تلك المفاوضات بوصفها محاولة متبادلة لإختبار نوايا الآخر وخططه، النفطية والأمنية ولاحقا السياسية، يحتاج الى المزيد من التدقيق. ثمة قنوات آخرى يمكن ان تقدم مثل هذه الخدمة، بالمجان، ومن دون أي كلفة سياسية، لا سيما في ظل لائحة الاولويات اللبنانية الضاغطة، التي لا تندرج فيها أولوية البحث الآن بالذات عن مصادر الثروة الوطنية-غير المؤكدة أصلاً، في عمق البحر المتوسط.

الفكرة المتداولة عن أن اختيار التفاوض هو نتيجة الحصار الخانق الذي يتعرض له الثنائي الشيعي، والذي ينذر بالمزيد من العقوبات الاميركية، تثير السخرية، لا سيما في واشنطن وتل أبيب، اللتين كانتا تفضلان المزيد من الضغط على ذلك الثنائي لكي يلوح بالراية البيضاء، بدلاً من أن تجلسا معه حول طاولة مفاوضات مباشرة، يمكن ان يقدمها كمكسب وطني للبنان واللبنانيين.

ومثلها الفكرة الساخرة، القائلة ان إعتماد خيار التفاوض جاء بعدما أدركت أميركا وإسرائيل أن حملتهما المشددة على إيران بلغت ذروتها ولم تحقق نتائجها المرجوة، وبالتالي شعرتا أنه آن الأوان للبحث عن بدائل بينها فتح قاعة المفاوضات المباشرة مع أحد حلفائها المهمين، التي لم تكن لتفتح أيضا من دون إذن مباشر من إيران ومن دون توجيه رسمي صادر عنها.. على أمل إستشكاف الاستعداد الاميركي للحوار المباشر مع طهران.

لا يمكن لأحد أن يقتنع بسهولة أن المفاوضات المقررة الاربعاء هي ترجمة لموازين قوى فعلية، تجبر أميركا وإسرائيل على إعادة الحقوق الاقتصادية اللبنانية البحرية، أو تسمح للبنان بإنتزاع تلك الحقوق المهددة بالضياع. يمكن إستخدام مفردات أخرى، غير الاكراه، لكنها تقود الى الاستنتاج نفسه.. حتى ولو كان الخداع أحدها.     

الفكرة الوحيدة التي لا تحتمل السخرية ولا المزاح، هي ان المفاوضات المنتظرة، ستجري تحت عنوان نفطي وغازي، وفي ظل خرائط بحرية وبرية متعددة الاشكال والالوان، لكنها ستدخل من اليوم الاول في أصل النزاع الحدودي وجوهره: الأمن الحدودي المتبادل وكيفية حمايته ومراقبته وتثبيته، والاجراءات الواجبة لضمان عدم خرقه من أي طرف كان. وهنا لن يكون من السهل على الوفد اللبناني الرسمي ان يفصل ما بين الدولة وما بين المقاومة..أو ما بين البر والبحر.

الضمانات المتبادلة للأمن قد تصبح شرطاً لاستمرار المفاوضات. وهنا يمكن ان يبدأ الدور الاميركي الحقيقي، الذي قد يعرض توفير مثل هذه الضمانات، على أمل أن تصبح يوماً ما مقدمة لتفاهمات أو حتى معاهدات سياسية، تحتوي على نصوص إتفاقات ملحقة ، على تقاسم الحقلين النفطيين الحدوديين التاسع والعاشر وربما إستثمارهما معاً..وهي الفكرة الأولى التي طرحها الاميركيون منذ عشر سنوات وحتى اليوم.

مهما يكن، فإن لبنان الذي كان ولا يزال يمكنه طلب تأجيل المفاوضات حتى تشكيل حكومته وتدبير سلطته على الاقل، سيدخل في نفق مظلم جديد لا نهاية له، سوى إضافة أزمة جديدة الى لائحة أزماته الطويلة.. حيث سيكون العدو أمامه والبحر من ورائه! 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024