لا تنتظروا بايدن فهو ينتظركم أيضاً

مهند الحاج علي

الجمعة 2021/01/15
في سياق فهم عمق الأزمة السياسية اللبنانية، يبرز نقاش حول قراءة الأقطاب المختلفة للمشهد الدولي والتبدلات المقبلة مع رحيل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن. في صلب هذا النقاش، شعور وهمي لدى بعض الطبقة السياسية بالانتصار، وبحجم التبدلات المقبلة بما يتعلق بلبنان ومكانه في سُلّم أولويات المنطقة.

والحقيقة أن العناد السياسي الحالي وشد الحبال بين كافة الأطراف في شأن تشكيل الحكومة، مرتبط بالمقام الأول بقراءة سياسية غير واقعية للتغيرات في الولايات المتحدة وفي سياسات الإقليم. وهذه القراءة غير واقعية على ثلاثة مستويات.

أولاً، إدارة جو بايدن لا ترى اعوجاجاً كبيراً في سياسة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لبنان. النظرة السلبية لسياسة ترامب في المنطقة، مبنية على انسحابه من الاتفاق النووي مع ايران، وإهمال حقوق الانسان في العلاقة مع الحلفاء العرب، ووقف تمويل وكالة الأونروا والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية في الجولان ونقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة. وهذه قائمة طويلة على الإدارة المقبلة الالتفات اليها ومحاولة معالجة ذيولها. إلا أن لبنان ليس ضمنها سوى ربما في شعور بعض المسؤولين في الإدارة بأن سلاح العقوبات استُنزف. وهذا واقع. ولكن هذا أيضاً لا يعني وقف العقوبات بالكامل، بل المفترض "ترشيدها". في نهاية المطاف، بعض هذه العقوبات والقوانين الراعية لها، جاءت في سياق عابر للانقسام الحزبي، وفي بعض الأحيان محل إجماع. 

كما أن السياسة الأميركية التقليدية في لبنان، لجهة دعم الجيش اللبناني ومؤسسات الدولة، لم تخضع الى تغيير يُذكر. ويُرجح أن لا ينعكس أي تغيير في السياسة الأميركية حيال ايران، على الملف اللبناني، إذ ستُواصل الإدارة سياستها التقليدية مع محاولات لاحتواء "حزب الله"، إذ أن لذلك علاقة مع التحالف القائم والثابت مع إسرائيل، وأيضاً تاريخ واشنطن مع هذه المنظمة.

ثانياً، على الساسة اللبنانيين، وهم يقرأون انعكاسات تبدل الإدارة الأميركية في المنطقة، عدم استبعاد الموقف الأوروبي. ذاك أن هناك قرفاً وإشمئزازاً أوروبياً لا يُخفى من السلطة اللبنانية وأقطابها الأساسيين. بعض المسؤولين الأوروبيين يتحدث عن "صدمة" من اللامبالاة وسط الساسة اللبنانيين، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي والمعيشي والإنساني. لا يُمانع المسؤول اللبناني من المماطلة والمماحكة للحصول على حصة والحفاظ على مكتسبات، على حساب الأزمة الإنسانية. وهذا واقعٌ صادمٌ للغاية، ويُحرك رغبات أوروبية في فرض عقوبات على السياسيين اللبنانيين وعزلهم بوصفهم جزءاً من مشكلة مستعصية على الحل.

الإدارة الأميركية المقبلة ترغب في التنسيق مع الجانب الأوروبي في رسم سياستها اللبنانية، والأرجح أن مواصلة المماحكة السياسية بإسم الحصص الوزارية، سيُفضي الى عقوبات أكثر قسوة في التطبيق مما سبق. وقد نشهد عقوبات أوروبية-أميركية على بعض المسؤولين في حال مواصلتهم التقاعس، وأيضاً إذا واجهوا أي احتجاجات مقبلة ومتوقعة بالقمع، أكان عبر قوى الأمن أو من خلال الميليشيات الحزبية.

ثالثاً، التبدل العربي في الموقف من لبنان، له أسباب بُنيوية وغير متصل بالإدارة السابقة. من الصعب توقع تبدل في الموقف الخليجي حيال لبنان، باتجاه تمويل رزمة تحفيز الاقتصاد وإنقاذ البلاد، أو حتى بتشجيع المواطنين على السياحة. وهذا الواقع ثابت ولن تُؤثر فيه إدارة أميركية جديدة أقل عداء مع ايران ووكلائها في المنطقة.

في نهاية المطاف، الرهانات المحلية على تبدل جذري في الوضع الإقليمي والدولي، والتشبث بالمواقع الحكومية وتعطيل البلاد على هذا الأساس، قد يدفع الإدارة الأميركية المقبلة باتجاه تبني سياسات أكثر حسماً مما سبقها، وبالتعاون مع الحلفاء الأوروبيين. في ظل هذا التعطيل الاجرامي والمماحكة، لن يمر وقت طويل حتى يترحم هؤلاء الساسة على إدارة ترامب، إذ قد يجدون أنفسهم منبوذين دولياً، وثرواتهم ومستقبلهم وأبناءهم في مهب الريح.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024