مثله مثلك.. وأكثر قليلاً

مهند الحاج علي

الجمعة 2016/06/03
كان لافتاً جداً في تغطية الوكالة الوطنية للاعلام، لندوة المركز الكاثوليكي للإعلام، ضد المثليين جنسياً، أن الجملة الافتتاحية ضمت العبارة الآتية: "تنوير الرأي العام واعطاؤه الحقيقة المجردة المطلقة". فالتوكيد على "الحقيقة" المُدّعاة بأنها "مجردة" و"مطلقة"، يحسم الجدل بشأنها، ولا يتسع لآخر، تُريد الندوة بما تُمثله من سلطات كنسية وطبية وقضائية، إلغاءه من الوجود، قانونياً ونظرياً على الأقل.

كانت الندوة أشبه بمحكمة صورية، ليس فقط في أنها شوّهت الحقائق بلا مواربة، بل بإظهارها العلاقة الوطيدة للسلطة الدينية، بجوانب كثيرة في حياتنا، تتجاوز موضوعها. دار النقاش المزعوم، فقط حول "الحسم"، وكان يُشبه في تدرج المتحدثين، تنظيم محاكم التفتيش القروسطية. رجل دين يقول كلمته، يليه طبيب، ثم قاض يتحدث في حضور رجل الأمن التنفيذي. في غضون ساعة، صدر الحكم سريعاً. رجل الدين أكد أن الكنيسة "ضد العمل الشاذ الذي يقومون به لأنه ضد الطبيعة". الطبيب حسم نقاشاً مفتوحاً في العالم بأن "المتفق عليه في أيامنا، أن المثلية الجنسية هي حالة شذوذ جنسي، لا أكثر ولا أقل". ولم يكن حديث الطبيب، طبياً أو علمياً، إذ ختم بأن "المطلوب اليوم، تكثيف التعليم الديني، والممارسة الدينية في العائلات المسيحية، وتشجيع الأهل على مرافقة أولادهم إلى الكنيسة للمشاركة في الذبيحة الإلهية". هل هذا الاستنتاج ناتج عن دراسات طبية أيضاً؟ ثم حكم القاضي، وبحضور ممثل عن المؤسسة الأمنية، بتأكيد عقوبة السجن "إلى حد السنة" في قضية "مخلّة بأمن المجتمع".

وصحيح أن الجدل العلمي حول المثلية لم ينته، شأنه شأن قضايا أخرى عديدة في دنيانا، كأصل الإنسان وخصائصه، لكن النقاش الحقوقي حُسم نهائياً. أي إنسان بالغ يملك مساحة من الحرية تقف فقط عند حدود حريات الآخرين. أن تكون مثلياً أو مثلية، فهذا حق إنساني أولاً، وهو بذلك منفصل عن أي نقاش علمي أو ديني أو خلافه. وهذا يقلب دفّة النقاش كلياً، إلى المشكلة البنيوية في عقلية أفراد لا يتقبلون الآخر، فقط لأنه "مختلف" عنهم. وعدم التسامح مع الآخر، يبدأ برفض المثلية، وينتهي باعتبار المنافس في الانتخابات "خائناً" أو "قليل الوفاء".

وليست مفارقة أن "طبيب" الندوة الكاثوليكية تحدث عن تهديد "الدول الغربية" للدول الإفريقية بإلغاء قروض إن لم يُشرعوا المثلية، قاصداً بذلك أكثر الدول قسوة بحق المثليين: أوغندا التي يسجن رئيسها يوري موسيفيني منافسيه الانتخابيين، ويستأثر بالحكم منذ العام 1986، أي لثلاثة عقود متتالية. لم ير "الطبيب" مشكلة في ديكتاتورية فاسدة عمرها عقود ثلاثة، بل جُلّ اهتمامه ينصبّ على إلغاء المثلية. في صميم كراهية المثليين والمثلية، رفض لأن تُفكر وتُقرر لنفسك، لا بل مصادرة لتلك الحرية. وفي رفض الآخر، تكبّر يُخفي جهلاً به، يُقابله تواضع ينم عن سعة صدر وتحمل ومعرفة بالآخر وحقه بالاختلاف. هذه هي الحقيقة "المطلقة والمجردة". أنهم، أي رجال الدين المسلمين والمسيحيين وشركاؤهم في هذه السلطة الفاشلة، لا يقبلون المثلية لأنها مختلفة، ولأنهم لا يعرفونها ولا يريدون التعرف اليها. وهذه المؤسسات الدينية مُتحالفة مع السلطة التنفيذية، وتُغطي فسادها المالي وفشلها، مقابل تولي الثانية تنفيذ أحكام ذكورية قروسطية بحق المثليين في القوانين العامة والنساء في الأحوال الشخصية.

والواقع أن المواطنين المثليين في لبنان يعيشون قانونياً حالة إجرامية تجعلهم ملاحقين في الخاص قبل العام. رفضتهم العائلة ثم المجتمع والطائفة، وجرّمتهم الدولة، فتحرروا من كل قيد في هذا السجن الكبير. وهذا التحرر يُفسر جوانب من الإبداع الفني والنجاحات لدى المثليين اللبنانيين في مجالات شتى. وهكذا فإن الشاذ الوحيد في هذا العالم المتحرك هو المُنغلق على ذاته الرافض للتطور، والتكفيري الكاره للآخر، والمتحالف مع سُلطة فاسدة.
أما المثلي، فهو مثله مثلك، بل أكثر قليلاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024