عن سلاح إسمه "اللاجئون"

مهند الحاج علي

الإثنين 2019/05/27
قبل أسبوعين، هدد مسؤول إيراني الولايات المتحدة وأوروبا بورقة اللاجئين. عباس أراغشي نائب وزير الخارجية الإيراني، أعلن أن إيران ستطلب من 3 ملايين لاجئ أفغاني الرحيل نظراً للكلفة الباهظة المترتبة على بقائهم في البلاد. 400 ألف منهم يرتادون المدارس، ويُكلف كل منهم الحكومة 600 يورو سنوياً، و23 ألف طالب جامعي بكلفة 15 الف يورو سنوياً للطالب الواحد. نظراً لانعدام الموارد المالية لدى الحكومة الإيرانية، قال أراغشي، سيُغادر هؤلاء اللاجئون، وسيتجهون على الأرجح الى أوروبا لملاقاة أقاربهم والبحث عن فرص عمل.

كلام هذا المسؤول الإيراني جاء بعد شهور على تهديد مماثل للرئيس الإيراني حسن روحاني، تحدث فيه عن فيضان من اللاجئين والمخدرات باتجاه أوروبا في حال حرمان إيران من مواردها المالية نتيجة العقوبات. على أوروبا إذن مساعدة إيران على التهرب من العقوبات الأميركية، التزاماً بالإتفاق النووي. بعد كلام روحاني نهاية العام الماضي، اتجه آلاف الإيرانيين عبر صربيا إلى أوروبا الغربية والمملكة المتحدة (بريطانيا).

إيرانياً، كانت هذه الموجة، على الأرجح، دفعة أولى على الحساب.

في لبنان، يبدو أن التهديدات ذاتها تتكرر، لكن في سياق مُهذب وأكثر ارتباطاً بالسياسة المحلية: مواجهة مؤامرات التوطين. في ذكرى التحرير، تحدث الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، عن "منع" سياسي لهذه العودة، وأن أزمة اللجوء تتطلب تحركاً أسرع وعدم الاكتفاء بتصريحات. نصر الله حدد إطاراً زمنياً للتحرك في ملف اللاجئين: بعد اقرار الموازنة، أي بعد أسابيع لو سارت النقاشات بسلاسة في البرلمان اللبناني. ذاك أن التعاطي مع هذا الملف "أمر وطني ومهم جداً"، كما جاء على لسان الأمين العام للحزب. والسقف هنا بات مرتفعاً جداً. ليس على الحكومة اللبنانية أن تخشى العقوبات الأوروبية والأميركية في هذا المجال بل أن تُواجه المجتمع الدولي بخطوات عملية لإعادة اللاجئين إلى سوريا. بيد أن الأمين العام أوحى بأن إبقاء اللاجئين، جزء من مؤامرة تستهدف نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية السورية عام 2021. المهم هي مؤامرة على ارتباط بـ"صفقة القرن" وبالانتخابات السورية وغيرها، وهناك ترابط بينها وبين توطين الفلسطينيين، الفزاعة الأكبر لدى مسيحيي لبنان. لذا على اللبنانيين مواجهة المؤامرة واعادة اللاجئين السوريين والفلسطينيين. هذه أولوية وطنية.


وهذه سياسة أو استراتيجية قد تكون مفتعلة في اطار الرد الإيراني على أوروبا المتقاعسة عن مواجهة الأميركيين. لن يؤيد اللبنانيون أي انضواء في معركة مع العالم والولايات المتحدة دفاعاً عن إيران وفي مواجهة العقوبات الأميركية. لن يحصل هذا الأمر إطلاقاً. لكن إطلاق معركة من نوع اعادة اللاجئين، ستحظى بشبه إجماع، أو بتأييد شرائح واسعة. وهذه الإعادة، نظراً لخطورتها وعدم رغبة اللاجئين، ستتحول الى قرار بالفرار الجماعي من لبنان. غير منطقي الحديث بهذه السهولة عن العودة المُيسرة الى سوريا (على سبيل المثال، تطلبت العودة الى جبل لبنان عقدين من المصالحات والتعويضات لإنجازها دون دماء).

ومثيرة للانتباه السرعة التي أدلى فيها وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل بتصريحات مماثلة، تربط بين صفقة القرن والسياسة الأميركية في المنطقة، من جهة، وبين قضية اللاجئين من جهة ثانية. "سنسقط مخطط التوطين"، قال باسيل في إفطار أحد السياسيين الموالين لسوريا، "وسيعود الفلسطيني والسوري إلى أرضه ودولته ووطنه وهذا هو تصميمنا وهذا هو لبنان الذي نعرفه: أرض الكرامة لكل انسان حر وليس موطناً للتهجير ولإمتهان كرامة الناس".

من هذا المنطق السياسي، أي إحباط المؤامرات، ستُقارب الحكومة ملف اللاجئين، وقد عاد الحديث عن إحياء خطة عام 2014، وتصريح أحد المسؤولين أخيراً بأن 74٪ من السوريين لا يملكون اقامات شرعية ليس سوى تمهيد لعمليات ترحيل. في نهاية المطاف، لن يعود اللاجئون بأعداد كبيرة، لأن هذه رغبة النظام، بل سيُدفع بآلاف منهم إلى الرحيل بحراً، ورفع منسوب الضغط على الأوروبيين. وحركة قوارب اللاجئين باتجاه قبرص استُؤنفت هذا الشهر،وفقاً للاعلام القبرصي، وقد غرق أحدها قبالة سواحل لبنان منتصف الشهر الجاري ليلقى 5 لاجئين سوريين حتفهم.

أسابيع فقط تفصلنا عن مغامرة جديدة في مواجهة المجتمع الدولي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024