"حرب الإرادات" وفقاً لخامنئي

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/05/17
خلال الأسابيع الماضية، تطرق مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في أكثر من مناسبة إلى التوترات مع الولايات المتحدة، وخُططها لـ"تصفير" مبيعات النفط الإيرانية. في طيات الكلام رسائل مفيدة لفهم الاستراتيجية الإيرانية في المرحلة المقبلة.

بداية، وبغض النظر عن التهديدات العسكرية المتبادلة، لدى الإيرانيين يقين بأن واشنطن لا تريد حرباً. والإيرانيون أيضاً لا يُريدونها. بكلام خامنئي، "لا نحن نسعى وراء حرب، ولا هم (الأميركيون) يريدونها لأنها ليست في صالحهم"، و"من يهدد بهذا الصوت المرتفع لا يمتلك القوة لتنفيذ تهديداته".

هذه القناعة بعدم الرد الأميركي، ناجمة عن تقويم لسياسة الإدارة الحالية، وتحديداً جمعها بين انتهاج سياسة متوترة مع أوروبا والصين، من جهة، وبين الانقسامات الداخلية العميقة حيال السياسة الخارجية. وقد لا تكون اتهامات الرئيس الأميركي دونالد ترامب للديموقراطيين بفتح خط اتصال مع الإيرانيين، بعيدة عن الواقع. ذلك أن الديموقراطيين يتصرفون وفق منطق السيطرة على الحرائق التي تُشعلها الإدارة الأميركية في سياستها الخارجية المتهورة مع الحلفاء قبل الأعداء. وبما أن الديموقراطيين يُمسكون بمجلس النواب، ذكروا الرئيس الأميركي بدور الكونغرس في التصويت على قرار الحرب. يُضاف إلى ذلك أن ترامب نفسه ليس بوارد الدخول في حرب مع الإيرانيين، بل يختلف مع توجهات بعض فريقه وعلى رأسه مستشار الأمن القومي جون بولتون، كما سرّبت صحيفتان أميركيان أخيراً.

من منطلق التردد الأميركي في الحرب، رغم الوتيرة المرتفعة للتهديد، جاء الرد الإيراني المحدود وبالوكالة في الخليج. هذه رسالة وقد تليها خطوات أخرى. وسبق للمرشد أن تحدث عن هذا الرد في كلمة خلال لقاء مع وفد عمالي في 24 الشهر الماضي: "إنّهم يمارسون العداء ضدّنا، وليعلموا أنّ عداءهم هذا لن يبقى من دون ردّ. وسوف يتلقّون الردّ على عدائهم هذا، فالشعب الإيراني ليس بالشعب الذي يجلس ويتفرّج كيف يجري التآمر عليه، والعمل ضده، ويبقى ساكتاً".

ثانياً، إيران لن تُفاوض على "عمقها الإستراتيجي"، كما يسميه خامنئي، ولا على قدراتها الصاروخية. "التفاوض سمّ، ما دامت أمريكا هي ما عليه الآن". وفي ظل إدارة ترامب، "التفاوض مع الحكومة الأمريكية الحالية سمّ مضاعف". بحسب المرشد، أصل التفاوض خطأ إن كان ذلك مع إنسان سوي، "فكيف بهؤلاء الذين هم غير أسوياء ولا يلتزمون بأي شيء؟ طبعاً لا يوجد عاقل بيننا يركض وراء التفاوض". لهذا حدد الزعيم الإيراني "الخيار الحتمي" وهو "مقاومة أميركا" و"إرغامها على التراجع".

لكن المقاومة هنا ليست عسكرية بل هي "صراع إرادات". "هذه المواجهة ليست عسكرية لأنه ليس من المقرّر نشوب أي حرب ... هذه المواجهة هي مواجهة الإرادات، وإرادتنا هي الأقوى".

يستشف القارئ من خطابات خامنئي، توجهين رئيسيين لإيران خلال الفترة المقبلة في "صراع الإرادات"، بعيداً عن الخيارات العسكرية التي تتمثل بتصعيد محدود. أولاً، ستحاول إيران مواصلة تصدير النفط "بمقدار ما نحتاج ونريد، ونحن قادرون على ذلك ... إذا شمّر الشعب النشط والمسؤولون اليقظون عن سواعد الهمّة، يمكنهم فتح الكثير من الطرق المسدودة".

وأخيراً، يُوفر انقطاع النفط فرصة اقتصادية لإيران للتقليل من "إرتهانها لبيع النفط" مقابل تنمية قدرات كامنة. "المهمّ أن نعي في الداخل جواهرنا الداخلية ونتعرّف عليها، ونعلم أنّ الطاقات الإنسانية في بلادنا وفي مجتمعنا ومصادرنا الإنسانية وإمكانياتها وقدراتها أكثر بكثير ممّا يظهر في الوقت الحاضر".

يرى المرشد الإيراني في تجدد الحصار الأميركي بقيادة ترامب، فُرصة لتجديد ثورية النظام، ذاك أن 4 عقود من السياسات الأميركية المعادية لطهران أنتجت دولة أقوى ذات مناعة اقتصادية ومخالب حربية وإقليمية. بكلام آخر، خامنئي يرى في العقوبات والصراع مع واشنطن، فرصة لنمو الاقتصاد الإيراني باتجاهات مختلفة وكي تصير أقل اعتماداً على النفط.

هذه الخطة الاقتصادية غير واضحة المعالم، سيما أن تنويع الاقتصاد الوطني يحتاج إلى استثمارات لا تقدر عليها الحكومة الإيرانية في ظل تقلص مداخيلها. والواضح أن إيران ترغب في إعادة هيكلة اقتصادها مجدداً باتجاه الإنتاج والتركيز على الاكتفاء الذاتي وتعزيز العلاقة التجارية مع "عمقها الاستراتيجي". وقد تحتاج في ذلك الى مداخيل النفط، ربما عبر تهريبه.

ربما من هنا بإمكاننا الاستنتاج بأن التصعيد العسكري عبر الوكلاء والأصدقاء، يهدف الى فتح كوة في جدار العقوبات الأميركية، إما عبر تمديد الاعفاءات الاستثنائية أو غض النظر وعدم الملاحقة في حال شراء الصين أو أطراف أخرى النفط الإيراني. ومثل هذا التفاهم يُعد بمثابة هدنة بانتظار حروب بالوكالة في ساحات ثانوية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024