دياب فارساً صينياً

مهند الحاج علي

الجمعة 2020/07/03
في الكلمة الأخيرة لرئيس الحكومة العتيدة حسان دياب، سمتان بالإمكان اختصار عهده القصير والمؤلم جداً بهما: الانفصام عن الواقع، والاستعداد للمقامرة.

ذلك أن الرجل أثبت مشاركته الطبقة السياسية بالانفصام عن واقع اللبنانيين. تماماً مثل "التيار الوطني الحر"، يُراكم دياب الإنجازات ويعدها بعناية، ولا بد أن لديه دليلاً مفصلاً بها، بانتظار انتاج كتاب مُصوّر عن تاريخه في الحكم. سبقه في هذا الانجاز وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل الذي تغنى بقطارات وكهرباء وحدائق عامة ومشاريع بيئية وحقول نفط، جميعها طبعاً من نسج خياله. "التيار الوطني الحر" تحدث أيضاً في ورقة قبل سنتين عن إنجازاته (الوهمية) منها "إطلاق مشروع توليد الكهرباء من مزارع الطاقة الشمسية"، و"مشروع سخان شمسي لكل منزل لتشجيع المواطنين على شرائها بقروض مدعومة وتوزيع عدد منها مجاناً". طبعاً لم ير اللبنانيون أياً من هذه الإنجازات وبقيت حبراً على ورق.

لكن الفارق هنا أن التيار عدّد إنجازاته الوهمية قبل الانهيار. أما دياب، فيأتينا اليوم بإنجازات من الصعب على اللبنانيين هضمها، وقد سقط نصفهم أو أكثر تحت خط الفقر، وتضاءلت قدرتهم الشرائية أضعافاً. بدأ رئيس الحكومة كلامه بأنه وأعضاء فريقه الوزاري غرقوا "بالعمل، من ورشة إلى ورشة، من أزمة إلى أزمة"، وختمه بالإدعاء بأن الحكومة تعمل "على فك الارتباط بين سعر الدولار وبين كلفة المعيشة، ونحن في المرحلة الأخيرة من إنجاز هذه المهمة". 

عملياً، يقول دياب إننا سنصل قريباً الى مرحلة لا يهم فيها ارتفاع سعر الدولار، ولا يؤثر اطلاقاً في تحديد مستوى معيشتنا. لا تفاصيل هنا، ولا مهلة زمنية، ولكن علينا تسجيلها كإنجاز عظيم غير مرئي للرئيس دياب.

السمة الثانية في كلام دياب وسلوكه هي قدرته على المقامرة، ولو على حساب اللبنانيين. لا يريد الرجل أن يستقيل، ولا تحمّل مسؤولية الفشل الذريع لإدارته خلال الشهور الماضية. بالعكس، تقمص في خطابه الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله، مهاجماً السفيرة الأميركية دوروثي شيا من دون أن يسميها. لم يكتف بالإشارة الى ممارساتها "الفاقعة في التدخل بشؤون لبنان"، بل غاص في عالم المؤامرات بلا دليل ولا مُحددات ولا من يحزنون. وفقاً للرواية الديابية، حصلت "اجتماعات سرية" ورسائل "بالحبر السري" و"بالشيفرة" وبالـ"واتس آب"، و"مخططات"، و"أمر عمليات بقطع الطرقات وافتعال المشاكل". 

لكن هل أرسلت دوروثي رسائل مكتوبة بالحبر السري من خلال الحمام الزاجل الى عملائها في لبنان لإعطائهم إشارة الانطلاق ضد دياب؟ يبدو أن أعداء الحكومة يستعيرون من ترسانة الحرب العالمية الثانية لمواجهة رئيس الحكومة، نظراً لخطورته على التوازنات في المنطقة والعالم والمجرات. 

وكأن لسان حاله يوم أمس أن ارتفاع سعر الدولار وساعات تقنين الكهرباء لا يعودان إلى الأزمة المصرفية الحالية وتبذير ودائع الناس، وإساءة إدارة ملف الطاقة على مدى عقود. يُريد دياب منا الاعتقاد بأن رسائل الحبر السري والواتس أب الأميركية وراء هذا التدهور السريع في البلاد.

لم يُمض رئيس الحكومة سوى شهور في رئاسة الوزراء، لم يُحقق فيها شيئاً على الإطلاق، لكن الرجل اكتسب أخلاق السلطة وأساليبها سريعاً. تعلم أن بالإمكان مواجهة أي تهديد لموقعه، عبر اجتراح مؤامرات خارجية ومحاولة الظهور كمشارك في مبارزة وهمية. لهذا ربما دعا بعد ظهر أمس، السفير الصيني وانغ كيجان الى اجتماع مع بعض الوزراء للبحث في التعاون المشترك، وكأن الشركات الصينية ستأتي مُهرولة لبناء قطار سريع أو محطات كهرباء في بلد لم يعد سكانه يملكون سعر ربطة خبز، ناهيك عن تذاكر أو فواتير باهظة الثمن.

بات حسان دياب يصبو لأن يُصبح جبران باسيل ثانياً في هذه الجمهورية المريضة، لكنه ليس صهراً لزعيم طائفة، ولا حتى رجل كرسي عند أي منهم. هو هبط علينا من لا مكان بمهمة محددة. وعندما تنتهي هذه المهمة، سيُضطر مرغماً على توضيب أغراضه في السرايا الحكومي، والرحيل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024