وزراء الـ"سي في" العظيم

مهند الحاج علي

الإثنين 2021/09/13

في أوساط وجوه الإعلام والمجتمع المدني وبعض "القوى البديلة" التي صعدت بعد احتجاجات عامي 2015 و2019، يبرز تقدير عشوائي لـ"السيرة الذاتية" (CV)، وما فيها من شهادات أكاديمية عليا من جامعات أو شركات بارزة.

وهذا يطرح إشكاليات عدة، أولها على ارتباط بالتنافس داخل مجتمع السلطة الميسور ومتفرعاته، وثانيها عن الكفاءة وثالثها وأهمها عن القدرة، وبناء عليها معنى القبول بالمنصب. 

في الشق الأول، بُنيوياً، هناك تشابك بين مجتمع رجال الأعمال وأصحاب الوكالات الحصرية والمتعهدين والمصارف، من جهة، والسلطة السياسية، من جهة ثانية. وكلما ارتفعنا في تفقد سُلّم المال، رأينا زيجات مشتركة وعلاقات قربى عميقة لا بد أن المال يتنقل عبرها بالواسطة. يتشاركون في الأعراس وعلاقات الأعمال وغيرها، وبالتالي هم أبناء مستوى اجتماعي واحد غالباً مع أبناء أقطاب السلطة وبناتهم. لكن ذلك لا يعني أنهم حزبيون أو ينتمون الى جماعات سياسية، بل بينهم من "يُعارض" المنظومة الحاكمة جهاراً على وسائل التواصل الاجتماعي، من دون أن يُسمي من يتشارك معهم الموائد والمناسبات وأحياناً العمل والمصالح المشتركة.

داخل هذه الطبقة، ليس السياسي وأبناؤه من الأثرياء الأصليين إن صح التعبير، مع استثناءات مثل آل الحريري والميقاتي والصفدي مثلاً. وبالتالي هناك شعور باستحقاق المنصب أو الموقع السياسي لأسباب منها أحياناً تاريخ العائلة وأمجادها وأصولها، وأحياناً أخرى الشهادات الغربية والمؤسسات الموروثة. وهذا تنافس ضمن الطبقة الواحدة بين أبنائها المتزاوجين. لكن للأمانة، يتشارك هؤلاء في احتقارهم الفقراء، ورفضهم أي دعم أو سياسة عامة لإعادة توزيع الثروة وتأمين الخدمات العامة الأساسية للناس من تعليم وطبابة بشكل مجاني، أو عادل بأقل الأحوال.

لدى هؤلاء "تقدير" لأصحاب الشهادات والمظاهر الفارهة. إذا كان المرشح من حملة الشهادات الغربية، يشعرون بالاطمئنان اليه، وبالغضب أو العتب لعدم منحه مقعداً وزارياً أو نيابياً أو مسؤولية سياسية. هذا النظام ليس عادلاً كونه لا يُكافئ أبناء العائلات وأصحاب الشهادات الغربية، على إنجازات موروثة بأغلبيتها الساحقة، تساقطت عليهم بفعل الموقع الاجتماعي الموروث، لا المستحق. ولو كان عالم الاقتصاد والسياسة اللبناني سباق ألف متر، يبدأ هؤلاء بفعل القرابة والإمكانات المادية قرب النهاية إن لم يكن قبلها بخطوة.

وحين يُسأل صاحب هذا التقدير أو الإعجاب أو الثقة، أو أحياناً كلها مجتمعة، عن مبررها، يُجيب أنها علامة على كفاءة الوزير، وأن الأخير "مرتب" على عكس من احتل هذه المواقع سابقاً. لكن ما معايير الكفاءة في تسلم الوزارة أو مواقع المسؤولية العامة؟

الشهادة بالتأكيد ليست واحدة منها، أو على الأقل هي منخفضة في التراتبية. سعد الحريري، على سبيل المثال، خريج جامعة "جورج تاون" الأميركية، والرجل بشهادة أقرب الأقربين اليه لم يلمح الكفاءة في حياته. جاريد كوشنر صُهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ومبعوثه الرئاسي، خريج هارفرد، وكثيرون اعتبروه كارثة في السياسة الخارجية الأميركية.

الجامعات البارزة قد تدل على قدرة أكاديمية وبحثية (دراسات عليا)، لكنها أيضاً إشكالية في كونها تتحول الى نادي علاقات عامة للنافذين وأولادهم وأحفادهم، وتُغلق الباب أمام أي وافد من العالم السفلي للفقراء ومتوسطي الحال، مع استثناءات قليلة من لوازم الزينة أو الديكور.

ولهذا مساوئه الكثيرة. أهمها وأكثرها إيلاماً هي الانفصال عن الناس. ليس تفصيلاً أن بعضاً من الوزراء اليوم يأتون جواً الى لبنان بعد تسميتهم. لا يعيش هؤلاء مع اللبنانيين حتى لو كانوا في لبنان، بل بنوا لأنفسهم فقاعات منفصلة. يُقاربون مواقعهم الوزارية ببرودة المارة، على عجل ودون أدنى اكتراث بالنتائج.

الكفاءة على ارتباط بالخبرة الناجحة وتاريخ من النزاهة في الإدارة ودراستها والتخطيط لها، (والأفضل في مجال مرتبط بالاختصاص)، حتى لو كان إدارياً عاماً. ذاك أن من الأسئلة الأساسية هنا هي وضع برنامج أو خطة عمل، وتشكيل فريق وإدارته بشكل ناجح لتنفيذها، علاوة على معرفة دقيقة بالعوائق السياسية والإدارية والمالية وكيفية تجاوزها.

وهنا أيضاً تأتي القدرة في المقام الأول قبل الكفاءة. ذاك أن المؤسسات الحكومية أو الرسمية من وزارات وشركات خدماتية هي عبارة عن مجموعة شبكات حزبية أو زبائنية، يملك بعض أفرادها من مدراء عامين ورؤساء أقسام، حصانة وأحياناً صلاحيات لا يقدر الوزير على تجاوزها. 

أي من وزراء الاتصالات كان قادراً على تجاوز المدير العام خلال العقود الماضية؟ من الصعب تحقيق إنجازات دون الدخول في مقاصة تبادل الخدمات بين الأحزاب على مستوى الوزارات. هذا واقع. لهذا فالحديث عن دخول موقع وزاري لتحقيق إنجازات، غير واقعي، وهو نوع من الخداع. لهذا فالقبول بالمنصب ينطوي غالباً على تحقيق منفعة شخصية ضيقة، لكنه في الفضاء العام، يخدم أقطاب السلطة ومشروعها المدمر بحق غالبية السكان. لا يهم، إذ أن كل ذلك الألم يهون أمام تجربة وزارية تُضيف سطراً جديداً في هذا الـCV العظيم اللامتناهي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024