مصر أمام حربين

مهند الحاج علي

الإثنين 2020/06/22
يُمثل خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالأمس، عن احتمال مشاركة قواته في حرب ليبيا، مفترق طرق في السياسة الخارجية المصرية. السيسي أعلن في خطاب واحد امتلاكه القدرة العسكرية والشرعية المطلوبة للدفاع عن خطه الأحمر في ليبيا، أي سرت والجفرة، في مواجهة من أسماهم "الميليشيات" و"المرتزقة". ورغم ما يتسرب عن رغبة في عمل محدود، من المرجح استدراج الجانب المصري لحرب طويلة الأمد.

بكل الأحوال، يطرح الدخول المصري في عمل عسكري مباشر، في حال حصوله، أكثر من سؤال.

أولاً، هل تتأثر العلاقة المصرية – الأميركية بهذا التدخل، سيما أن واشنطن على الضفة الأخرى في السياسة؟ ذلك أن واشنطن، مثلها مثل الأمم المتحدة، تعترف بـ"حكومة الوفاق" برئاسة فائز السراج (المرتزقة والميليشيات وفق وصف السيسي)، وانتقدت أكثر من مرة جيش خليفة حفتر والدعم الروسي له بالعتاد والمرتزقة (شركة فاغنر الأمنية الروسية مثالاً). عملياً، سيُقاتل الجيش المصري المُسلح أميركياً (والحاصل على مساعدات عسكرية ببلايين الدولارات) الى جانب قوات روسية في ليبيا. صحيح أن واشنطن، وعلى لسان ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، تدعو للحوار وتُحاول إرساء توازن ما في لغتها حيال الصراع، إلا أنها واضحة جداً في تحميل روسيا وقوات حفتر مسؤولية التصعيد الأخير (رغم أن السردية الأميركية هنا غير دقيقة في وصفها للواقع). كما أنها تضع التدخل التركي في موقع رد الفعل. أيُعقل ألا تنعكس مثل هذه المواجهة على العلاقات الأميركية-المصرية؟ ناهيك عن أن أي إدارة ديموقراطية مقبلة (في حال خسارة الرئيس دونالد ترامب) ستكون أكثر تشدداً حيال التدخل المصري.

ثانياً، الحرب مكلفة، وقد تستدعي تدخلاً أكبر من الجانب الآخر. صحيح أن بإمكان الجانب المصري تحمل الكلفة المادية وأيضاً البشرية للمواجهة العسكرية، لكن هناك عاملاً معنوياً لا بد من أخذه في الاعتبار. ذاك أن الجيش المصري أحاط نفسه بهالة دعائية ليست بالهينة، وتحديداً كونه من "أقوى جيوش المنطقة" كما وصفه السيسي في خطابه الأخير (وهو توصيف دقيق الى حد ما). إلا أن الجيش المصري اليوم بات مجمعاً صناعياً ومقاولاً ضخماً، وهناك من يشير الى انعكاسات لهذا التمدد في الاقتصاد على القدرة القتالية. كما أن المواجهة ليست تقليدية بالضرورة، وقد تستحيل حرب عصابات بدعم من طائرات من دون طيار تركية أثبتت فاعليتها خلال جولات القتال الأخيرة في ليبيا وفي سوريا أيضاً. قد تنعكس تلك العوامل وغيرها سلباً على أداء الجيش المصري، وستُثير إرتدادات داخلية وخارجية.

ثالثاً وأخيراً، لهذا التدخل المباشر، لو حدث، انعكاسات على الأزمة الجارية مع أثيوبيا حول سد النهضة. والسد الجاري العمل عليه منذ عام 2011، قد ينعكس بشكل كارثي على مصر في حال قررت السلطات الاثيوبية ملء خزانه (بحيرة) خلال 6 سنوات، إذ يُتوقع أن يخفض مياه النيل في مصر (النيل يؤمن 95 بالمئة من حاجات مصر للمياه) بنسبة تتجاوز العشرين بالمئة، بما يؤدي الى خسارة ثلث الأراضي الزراعية (واثارة أزمة غذائية). ذاك أن مساحة السد توازي لندن الكبرى بضواحيها، وبسعة 74 مليار متر مكعب. والمشكلة ليست بالسد، بقدر ما أنها ترتبط بسرعة ملء البحيرة. 

نافذة الوقت تضيق إذ أعلنت الحكومة الاثيوبية في أيلول (سبتمبر) الماضي على لسان وزير المياه نيتها البدء بتشغيل السد نهاية هذا العام، أي أن نافذة الوقت للتفاوض تضيق بشكل تدريجي دون حل في الأفق. الجانب المصري يريد أن تملأ اثيوبيا خزان السد على مدى 12-21 عاماً، في حين تتمسك الأخيرة بـ6 سنوات.

والتهديد بالمواجهة العسكرية حول السد قائم، وقد حذرت منه جهات محلية ودولية (منها مجموعة الأزمات الدولية)، في حين لوح رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد بملايين المقاتلين في حال النزاع. سبق أن انتهزت أديس أبابا فرصة الثورة المصرية والفراغ في السلطة للبدء ببناء السد، ولا بد أن يفتح الانخراط في الحرب الليبية، لو تمادى، نافذة لفرض الشروط الاثيوبية في هذا المجال.

ليس الدخول في أتون الحرب الليبية بقوات برية وبكلفة عالية، في المصلحة المصرية، وقد تجد القاهرة نفسها في موقع حرج ستتعدى انعكاساته الساحة الليبية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024