ترامب إذ يُقامر بأمن المنطقة

مهند الحاج علي

الجمعة 2019/06/14

رغم النفي الإيراني السريع، لا يُمكن فصل الاعتداء على ناقلتي نفط في خليج عُمان، عن الحملة الأميركية ضد طهران، والرد الإيراني الموعود عليها. المسؤولون الإيرانيون كرروا أكثر من مرة أن أحداً لن يُصدّر النفط لو مُنعوا من بيعه. التفسير المنطقي الوحيد لهذا التهديد أن الإيرانيين سيستهدفون شحنات النفط لفتح ثغرة في جدار العقوبات الأميركية، إلا إذا كان المقصود بالتصريحات أن هناك قوة إلهية تُنفذ التهديدات الإيرانية، ربما عبر تنين ينفث اللهب على ناقلات النفط في مضيق هرمز، قبل أن يختفي في الفضاء!

والنفي جزء من التكتيك الإيراني. ففي غياب اعتراف ايراني واضح أو أدلة دامغة، لن تستطيع الولايات المتحدة إدانة طهران في مجلس الأمن. بكل الأحوال، بات الإيرانيون على قناعة بأن العقوبات الأميركية أكثر فاعلية مما يخرج من أي طرف دولي، ومن ضمنه مجلس الأمن. ذاك أن الولايات المتحدة نقضت اتفاقاً دولياً رغماً عن شركائها الأوروبيين فيه، ثم فرضت عقوبات رغم تنفيذ ايران التزاماتها. والعالم يستجيب مرغماً أو موافقاً للرغبات الأميركية، رغم فقدانها الغطاء والشرعية الدولية. هذه هي القوة الأميركية بصلافتها القصوى. لا اتفاقاً نووياً من دون واشنطن، ولا إمكانية لتصدير النفط والتعامل مع السوق الدولية دون رضاها.

لكن المشكلة هنا أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لم تضع التوتر الحالي في الحسبان، وهذا ظاهر في التخبط الحاصل بين التصريحات الداعية لحوار، وبين التهديد والوعيد غير القابل للتنفيذ. مرشد الثورة الايرانية علي خامنئي أهان الرئيس ترامب عند عدم تسلم رسالته خلال زيارة رئيس الوزراء الياباني شنزو آبي، القريب من البيت الأبيض. ليست هذه الديبلوماسية الأميركية محسوبة. والحقيقة أن مثل هذا التهور والتسرع في العقوبات مقامرة من جانب الولايات المتحدة، ليس بأمنها كونها بعيدة آلاف الكيلومترات، لكن بأمن حلفائها بالمنطقة ومصالحهم الاقتصادية.

بيد أن هذه الدبلوماسية التي بدت مغامرة، وإلى حد ما فاعلة، قبل سنتين، تطل برأسها اليوم كحمقاء. هذه الحماقة ظهرت في "صفقة القرن" التي تُقامر بسمعة وصدقية حلفاء واشنطن لدى الفلسطينيين والعرب. وبرزت أيضاً في كوريا الشمالية حيث رفع البيت الأبيض التوقعات الى حد كبير، ثم فشل فشلاً ذريعاً. لكن في حالة بيونغيانغ، ما زال هناك إجماع دولي على العقوبات والحصار. كما أن هناك توازن رعب قائماً بين الأطراف المختلفة. في الحالة الإيرانية، يريد الرئيس الأميركي أن يبني سياسة وتوازناً جديداً من صفر. ويبدو أن ترامب توقع استسلاماً إيرانياً مشابهاً لما حصل في اعادة التفاوض على بنود اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والمكسيك حيث حقق انتصاره اليتيم دبلوماسياً وتجارياً.

والإيرانيون مخطئون في اعتقادهم بأن الولايات المتحدة ستتراجع عن العقوبات. هذه السفينة قد أبحرت، كما يقول المثل الانكليزي. والإيرانيون يُعيدون عبر هذا السلوك، إحياء حرب الناقلات خلال الصراع مع العراق في ثمانينات القرن الماضي. هذه الحرب انتهت بحصيلة مُكلفة لكل لأطراف، إذ تعرضت 451 سفينة من بينها 259 ناقلة نفط لاعتداء. سعر النفط سيرتفع، وكذلك فاتورة التأمين على ناقلات النفط، لكن لن تستفيد ايران من هذا الواقع، بل قد تتضرر مبيعاتها الحالية (نصف مليون برميل تقريباً).

في الحصيلة، يخرج الوضع عن السيطرة. واللافت أن المؤسسة العسكرية الأميركية باتت في قلب النقاش، وأصوات العسكر في إيران تعلو على كلام الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف. قائد القوات الأميركية في المنطقة الجنرال فرانك ماكنزي كان صريحاً في زيارته بغداد قبل أيام. الإيرانيون كانوا يُخططون لضرب القوات الأميركية في الخليج، لكنهم عدلوا عن ذلك بعد التعزيزات الأخيرة، من دون أن يتراجعوا. خطر الحرب قائم، قال ماكنزي، قبل عملية خليج عمان.  بعدها، هذا الخطر يتمدد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024